Mukhtasar Minhaj Qasidin
مختصر منهاج القاصدين
Publisher
مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ
Publisher Location
دمشق
واعلم: أن المخالف لأمر الله تعالى على أقسام:
أحدهما: أن يكون كافرًا، فإن كان حربيًا فهو مستحق للقتل والإرقاق، وليس بعد هذين إهانة، وإن كان ذميًا فلا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه، والتحقير له بالاضطرار له إلى أضيق الطريق، وترك البداءة بالسلام. فإن سلم قيل له: وعليك.
والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومؤاكلته، ومن المكروه الاسترسال إليه والانبساط كما يفعل بالأصدقاء.
القسم الثانى: المبتدع، فان كان ممن يدعو إلى بدعة، وكانت البدعة بحيث يكفر بها، فأمره أشد من الذمي، لأنه لا يقر بجزية ولا يسامح بعقد ذمة، وإن كان ممن لا يكفر بها، فأمر اشد من الذمى، لأنه لا يقر بجزية ولا يسامح بعقد ذمة، وإن كان ممن لا يكفر بها. فأمره بينه وبين الله تعالى أخف من أمر الكافر لا محالة، ولكن الأمر فى الإنكار عليه أشد منه على الكافر، لأن شر الكافر غير متعد، لأنه لا يلتفت إلي قوله، بخلاف المبتدع الذي يدعو إلى بدعته لأنه يزعم أن ما يدعو إليه حق، فيكون سببًا لغواية الخلق، فشره متعد، فإظهار بغضه والانقطاع عنه ومعاداته وتحقيره والتشنيع عليه ببدعته وتنفير الناس عنه أشد.
فأما المبتدع العامى الذي لا يقدر أن يدعو ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، والأولى أن يتلطف به فى النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح وكان فى الإعراض عنه تقبيح لبدعته فى عينه، تأكد استحباب الإعراض عنه، وأن علم أن ذلك لا يؤثر لجمود طبعه ورسوخ اعتقاده فى قلبه، فالأعراض عنه أولى، لأن البدعة إذا لم يبالغ فى تقبيحها شاعت بين الخلق وعم فسادها.
القسم الثالث: العاصي بفعله لا باعتقاده، فإن كانت بحيث يتأذى بها غيره، كالظلم والغضب وشهادة الزور والغيبة والنميمة ونحو ذلك، فالأولى الأعراض عنه وترك مخالطته والانقباض عن معاملته، وكذلك الحكم فيمن يدعو إلى الفساد، كالذى يجمع بين الرجال والنساء ويهيء أسباب الشرب لأهل الفساد، فهذا ينبغى إهانته ومقاطعته والإعراض عنه.
فأما الذي يفسق فى نفسه بشرب خمر أو زنا أو سرقة أو ترك واجب، فالأمر فيه أخف، ولكنه فى وقت مباشرته إن صودف، وجب منعه بما يمتنع به، فإن كان النصح يرده وكان أنفع له، نصح وإلا أغلظ له.
1 / 98