140

Mukhtasar Minhaj Qasidin

مختصر منهاج القاصدين

Publisher

مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ

Publisher Location

دمشق

ليجبروا الكسر، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء. يا أمير المؤمنين، إنك قد بليت بأمر لو عرض على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه. يا أمير المؤمنين: حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأنصاري: أن عمر بن الخطاب ﵁ استعمل رجلًا من الأنصار على الصدقة: فرآه بعد أيام مقيمًا، فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهدين في سبيل الله؟ قال: لا. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنه بلغني أن رسول الله ﵌ قال: "ما من والٍ يلي شيئًا من أمور الناس، إلا أتى يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، يوقف على جسر جهنم، ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه، ثم يعاد فيحاسب، فإن كان محسنًا نجا بإحسانه، وإن كان مسيئًا انخرق به ذلك الجسر فهوى به في النار سبعين خريفًا". فقال له: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أبي ذر وسلمان ﵄، فأرسل إليهما عمر فسألهما، فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله ﵌. فقال عمر: واعمراه من يتولاها (١) بما فيها؟ فقال أبو ذر ﵁: من سلت (٢) الله أنفه، وألصق خده بالأرض، فأخذ المنديل -يعني المنصور- فوضعه على وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قد سأل جدك العباس رسول الله ﵌ إمارة على مكة والطائف أو اليمن، فقال له النبي ﵌: "يا عم نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها" (٣) نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه، وأخبره أنه لا يغنى عنه من الله شيئًا إذا أوحى إليه: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] فقال: يا عباس، ويا صفية، ويا فاطمة، إنى لست أغنى عنكم من الله شيئًا، لى عملى ولكم عملكم، وقد قال عمر بن الخطاب: لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل، لا تأخذه في الله لومة لائم، وذكر تمام كلامه للمنصور، ثم قال: فهى نصيحة، والسلام عليك. ثم نهض فقال: إلى أين؟ فقال: إلى الوطن بأذن أمير المؤمنين. فقال: أذنت

(١) أي الأمارة والولاية بسبب ما فيها من الخطر. (٢) سلت أنفه. أجدعه. (٣) انظر كتاب التوابين صفحة (١٦٧) بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من منشورات دار البيان بدمشق.

1 / 140