ولكن الإمام الفراهي ﵀ يقول إن القرآن وكلام العرب كلاهما يأبى هذا المعنى. والظاهر عنده أن معناه: "الفعال العجيبة، ولما كان غالب فعال الله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم، والرواية عن ابن عباس ﵄ حملتهم على هذا، ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه". وقال في موضع آخر: " ... ولما كانت الرحمة من أغلب شؤون الرب ﷿ غلب استعمال هذا اللفظ في معنى النعم، ولكن العربي القح هو الأول، وبه نزل القرآن".
فكلمة الآلاء عند الفراهي تشمل في أصل معناها عجائب لطف الله تعالى وبطشه وقدرته، والنعمة ليست إلا وجهًا واحدًا من وجوه معناها، وقد غلب هذا الوجه على الكلمة فيما بعد لأن غالب أفعال الله تعالى من الرحمة والنعمة.
وقد استدل المؤلف على ما ذهب إليه بالقرآن الكريم وكلام العرب، أما القرآن فقد جاء قوله تعالى في سورة النجم ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ بعد ذكر إهلاك الأقوام، وفي سورة الرحمن جاءت الآية الكريمة ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ في خلال وصف يوم القيامة وعذاب جهنم في الآيات (٣٣ - ٤٥) آخرها قوله تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. وقد أشكل هذا الموضع على المفسرين فتعسفوا في تأويله بأن ذكر جهنم والإنذار من العذاب من النعم لكونه زاجرًا عن الشرك والمعاصي.
وقد فطن بعض أهل التفسر قديمًا بأن هذه الكلمة ليست في الأصل بمعنى النعمة، فروى الإمام الطبري عن ابن زيد أنه قال: "الآلاء: القدرة". ولكن الغريب أن الطبري ﵀ أورد هذا القول ضمن الروايات التي احتج بها على معنى النعم، ثم التزم تفسيرها بالنعم في جميع المواضع إلا واحدًا، وهو بعد قوله تعالى في سورة الرحمن: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (٣٧)﴾، فقال في تفسيرها: "يقول تعالى ذكره: فبأي قدرة ربكما معشر الجن والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذبان؟ " وواضح هنا أن الطبري ﵀ لاحظ أن
1 / 69