النهاية لابن الأثير. فنرى المؤلف في تفسيره نظام القرآن إذا فسر بعض الألفاظ لا يتجاوز لسان العرب، وينقل مادته كلها منه، ولكن النتيجة التي يتوصل إليها بعد إنعام النظر في تلك المادة تكون أكثر دقة من غيره فشتان ما بين ناقل وناقد.
ومن أمثلة ذلك تفسيره لكلمة (الصغو) فقد نقل كل شواهده من لسان العرب وصرح بذلك، لكونها كافية للدلالة على ما ذهب إليه، ولم يجد في كلام العرب إلا ما يعززه، وهو أن الصغو ضد الزيغ. وفي أول تفسيره للكلمة نبه على أصل عظيم من أصول اللغة فقال: "في جميع الألسنة ولا سيما في لغة العرب ألفاظ خاصة لأفراد خاصة تحت معنى كلي. والذهول عن هذه الخصوصيات مبعد عن فهم اللسان. مثلًا (الميل) معنى كلي، ثم تحته: الزيغ والجور والإرعواء والحيادة والتنحي والانحراف، كلها للميل عن الشيء. والفيء والتوبة والالتفات والصغو كلها للميل إلى الشيء، فمن خبط بينهما ضلّ وأضلّ".
٦ - وقد أشار المؤلف في تذكرته التي نقلناها من قبل إلى مصدر مهم يفيد الرجوع إليه في توضيح الكلمة التي يشك في معناها، وهو استعماله في أخوات العربية كالعبرانية والسريانية. وقد استفاد المؤلف بمعرفته للغة العبرانية في تحقيق بعض الألفاظ التي هي من المواد المشتركة بينها وبين العربية، والرد على المستشرقين الذين زعموا أن القرآن الكريم أخذ بعض الألفاظ من اليهود والنصارى. ومن الكلمات التي رجع فيها المؤلف إلى العبرانية: (الأبّ) و(السفرة) و(الدرس).
(٥) القيمة العلمية للكتاب:
على أن الإمام الفراهي ﵀ لم يتيسر له تأليف كتاب المفردات على الوجه الذي أراده، لا يخفى على من نظر فيه قيمته العلمية ومكانته الجليلة بين كتب غريب القرآن، فإنه ليس من نوع التأليف المكرر الذي قصد به التهذيب والتيسير، وإنما هو كتاب أصيل يحفل بنظرات جديدة وتحقيقات بارعة وفوائد
1 / 67