أثناء رحلتنا في أوروبا ... وصلنا خبر محاولة الاعتداء على حياة الخديوي عباس في إسطنبول، وكان الذي حاول اغتيال الخديوي هو شاب مصري يدعى «محمود مظهر». وكان الخديوي في طريقه إلى الباب العالي، فانقلب الشارع إلى معركة حربية؛ لأن الجندرمة (الشرطة) ظنوا أن هناك انقلابا دبره حزب الائتلاف والحرية ضد حكم حزب الاتحاد والترقي، فسقط في الشارع أكثر من ثلاثين شخصا، وقتل أيضا الجاني «محمود مظهر»، وأصيب جلال باشا إصابات انتهت بقطع قدميه، فغضبت عليه زوجته وهي بنت الخديوي وكانت قد تزوجته في مصر يوم سقوط «درنة» وقال فيه أحمد شوقي بك:
فرح هنا وهناك قام مآتم
مولى ينوح وتابع يترنم
وقد أصرت على طلب الطلاق منه، وما زالت حتى طلقت.
وبعد أسبوعين تقريبا من حادث الاعتداء، أعلنت الحرب العظمى، وكشفت الحكومة البريطانية عن كراهيتها للخديوي ... وأبلغت قائمقام الخديوي حسين رشدي باشا على لسان ناب اللورد كتشنر في 12 أغسطس 1914 بأنها لا ترغب في عودته في مصر. وبدأت الحرب والخديوي ما زال موجودا خارج مصر، وبعد ذلك بقليل تردد أن الإنجليز أعلنوا عزل الخديوي، وأن جريدة الطان الفرنسية كتبت مقالا افتتاحيا في هذا الموضوع قالت فيه: «إن إنجلترا قد أحسنت بعزل الخديوي؛ لأنه لم يكن صديقا لإنجلترا أو فرنسا.»
وفي يوم 21 ديسمبر وصل إلى الخديوي نبأ إعلان الحماية على مصر، وأنها صارت سلطنة، وأن الأمير حسين كامل عم الخديوي قد عين سلطانا عليها، وأنه نظرا لأن الخديوي قد انضم إلى أعداء ملك الإنجليز، فقد حرم من الرجوع إلى مصر وإن حفظت له أملاكه الخاصة.
حلم رهيب
ذات ليلة رأيت حلما مزعجا أبكاني حتى صرت أشهق في نومي، واستيقظ زوجي وسألني عن سبب بكائي، فأجبته بأني رأيت في منامي أنني سافرت إلى المنيا وقصدت بيت أخي وكان إذ ذاك هناك، فرأيت والدتي أمام باب غرفة نومه تكنس الأرض وهي كئيبة كاسفة. فسألتها عن أخي وزوجته فقالت: لقد افترقا. فخرجت أبحث عنهما، ودخلت غرفة بجانب الباب فوجدت زوجة أخي في ثياب سوداء وبجانبها أختها حرم حسين بك رياض مرتدية أيضا إزارها الأسود، وكأنهما تتأهبان للخروج في غضب، فحاولت منعهما، فنظرتا إلي نظرة حنق، فعز علي ذلك وبكيت.
تشاءمت من ذلك الحلم ... ولكن في صبيحة اليوم التالي حضر شقيقي من المنيا، وزارني وسألني عن سبب تأخري في السفر إليه مع صديقاتي اللاتي دعاهن معي لقضاء بضعة أيام عنده، ولما انتحلت له بعض الأعذار ألح علي في السفر، في أقرب وقت. وكان ذلك يوم السبت 15 فبراير 1917 فوعدته بحضورنا يوم الثلاثاء.
ولكن حال مرض إحدى صديقاتي دون سفرنا في ذلك اليوم، كما اعترت ولدي في مساء اليوم نفسه حمى شديدة اضطرتني للسهر بجانبه حتى بعد منتصف الليل.
Unknown page