Mucawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Genres
الحلم
اشتهر معاوية بعد الدهاء بالحلم، وأجمع مؤرخوه من مادحيه على وصفه بهاتين الصفتين، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن عاصم تصنيفا في حلمه، وقال قبيصة بن جابر: «صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه.» وردد المؤرخون كلمة قبيصة هذه وزادوا عليها كلمات بمعناه لغيره من عشرائه ورواة أخباره.
ولم يفخر معاوية بصفة كما كان يفخر بحلمه ... كان يفاخر خاصته بالدهاء بينه وبينهم، ولكنه لم يفخر قط بالدهاء علانية كما كان يفخر بالحلم والأناة، ولا غرابة في ذلك من جميع الوجوه، فما من رجل على نصيب من الدهاء يعلن دهاءه ويفخر به، وهو يستطيع أن يخفيه ويموهه بالنصيحة والصراحة، ومن صنع ذلك فهو كالصائد الذي يكشف حبالته للقنيصة، وهي خليقة ألا تقع فيها إذا انكشفت لعينها.
ووجه آخر من وجوه الجهر بالحلم، وتذكير الناس به عند معاوية أنه كان حريصا على التحبب إلى الناس؛ لأنه ينتزع سلطانه ويعلم أن الناس لا ينطوون على الحب لمن ينتزع السلطان، إن لم يكن نخوة وأنفة فحسدا وغيرة، أو إعراضا عن الغاصب إلى من هو أولى بالسلطان في رأي أصحاب هذا الرأي وإقبالا على مستحقه عندهم بغير نزاع.
سئل: «أي الناس أحب إليك؟ قال: أشدهم تحبيبا لي إلى الناس»، وغني عن القول أن الصفح عن المسيء مع القدرة على البطش به من أقرب الوسائل إلى كسب ولائه، وكسب ولاء غيره ممن يسمع بالخبر ويحمده، ولم يكن معاوية ولا شيعته يقصرون في إذاعة كل خبر فيه مأثرة من مآثر العفو والأناة، والبر بكل مسيء من أولئك الذين كانوا يتطاولون عليه بالمساءة في أول عهده بالملك على الخصوص، ولم يكن عدد هؤلاء المسيئين بالقليل ...
كان يقول: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، وجهل أكبر من حلمي، وعورة لا أواريها بستري، وإساءة أكثر من إحساني.
وكان يقول في مجالسه: «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت.» وسأله بعضهم: كيف ذلك؟ فقال: «كنت إذا شدوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها ...»
وخطب يوما فقال: «والله لا أحسن السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يستشفي به القائل، فقد جعلت ذلك دبر
1
أذني وتحت قدمي ...»
Unknown page