مصر والسودان في مواجهة إثيوبيا أو دول أعالي النيل. (2)
السودان وإثيوبيا في مواجهة مصر. (3)
السودان وأوغندا في مواجهة مصر.
والملاحظ أن المعادلة الأولى أكثر دواما وتمثل مصر والسودان في خندق واحد بحكم مجموعة العلاقات المعروفة، وبحكم أنهما تمثلان دول المصب، سواء كان ذلك بالنسبة لمجموع مياه النيل في مصر، أو مجموع مياه الروافد الإثيوبية وروافد أعالي النيل بالنسبة للسودان. وبحكم احتياجهما الحيوي للمياه مقابل المناخ الممطر في أعالي النيل وإثيوبيا.
وفي أحيان قد تحاول السودان الضغط على مصر بواسطة التفاهم مع إثيوبيا أو أوغندا كما توضحه المعادلتين 2 و3. وربما كانت هناك مساع من هذا النوع في حال تعكر العلاقات المصرية السودانية في أواخر الثمانينيات. لكن هذا هو أولا: سلاح يرتد على مصالح السودان المائية في المدى الطويل، وإن كان له بريق النجاح في المدى القصير. وهو ثانيا: غير ممكن في ظل الأوضاع المعاصرة، فالعلاقات السودانية مع إثيوبيا وأوغندا وإريتريا علاقات جفاء، فالسودان تتهم الدولتين بمساعدة ثوار الجنوب ومنحهم تسهيلات عسكرية. وأوغندا وكينيا وإريتريا وإثيوبيا تتهم النظام السوداني الحالي بتصدير القلاقل إليها؛ ومن هنا فإن ساحة المناورة السياسية السودانية المناهضة لمصر شديدة الضيق في الوقت الحاضر، بل هناك تنفيذ شبه كامل لاتفاقية 1959 بين الدولتين. ولا يجب توقع استمرار ذلك الوضع. فحالما تنتهي مشاكل السودان الكثيرة، سواء في الجنوب أو في شكل الحكم، أو دارفور وشرق السودان، ستعود دوائر معينة إلى العودة إلى مطالب لا تكل حول زيادة حصة السودان من مياه النيل.
ولا شك في أن المشكلة ذات أبعاد كبيرة، وإن كان يغلفها أطر من العلاقات الثقافية والدينية تقلل من حدة بروزها. وفي هذا المجال يمكن أن نسترجع مؤشرات فردريك فراي التي سبق طرحها في أوائل هذه الورقة. فمعامل القوة يلعب دورا أساسيا لصالح مصر، ليس باستخدامها في صدام مباشر، ولكن بالتلويح بها كعامل مساعد على إيجاد تسوية مناسبة. وكذلك عوامل التاريخ والشرعية والعدد السكاني والتقدم الاقتصادي تؤكد حقوق مصر في رفض أو قبول أية مشروعات تقام على النيل وروافده. ولهذا فالمستحسن أن يجدد الاتفاق على بنود 1959 بإضافة بنود خاصة بإثيوبيا ودول أعالي النيل، مع الالتزام بحصة مصر الضيقة دون مساس، أو يعاد اتفاق شامل بين كل دول الحوض خاصة وأن هناك علاقات دائمة، ودية في أحيان كثيرة، بين وزارات المياه لدول حوض النيل، لكن الود شيء والمفاوضات الصعبة شيء آخر. (1-10) مقترح مشروعات نيلية متكاملة
بغض النظر عن الأوضاع الحالية من سدود وسياسات فإنني أقدم الاقتراح التالي:
كي يتم ضم دول حوض النيل في نسيج ذو مصالح متكاملة بحيث لا تطغى مستجدات سياسية أو اقتصادية متسمة بطابع فردي، فالمستحسن العودة إلى فكرة المشروعات المشتركة لضبط النيل، والتي كانت سائدة في دوائر هندسة الري في الأربعينيات من القرن الماضي تحت مسمى «التخزين القرني»، بحيث تتكامل المشروعات مع بعضها فلا يتهددها انتقاص دولة على المجموع. وبعبارة أخرى التخلص من إنية دولة ما؛ لأن المشروعات متراكبة على بعضها ولا يمكن المساس بها؛ لأنها ملك الجميع وليس دولة واحدة، وخلاصة التكاملية بناء مجموعة مترابطة من المنشآت الهندسية: سدود وقناطر وقنوات وجسور وصرف مستنقعات ... إلخ، في السودان وإثيوبيا وأوغندا باعتبارهم مع مصر المكون الخطي الأساسي للنيل وعموده الفقري . الغرض النهائي الاستفادة بنسبة أكبر من الجريان السطحي للمياه إلى لا شيء، كما في بحر الغزال والجبل في السودان الجنوبي، أو بحيرة كيوجا في أوغندا، أو اندفاع المياه في جبال وخوانق إثيوبيا، والتحكم والترشيد لاستخدام المياه في مصر. أين تقام السدود أو القنوات أو غيرها؟ فهذا هو اختصاص اللجان المختلفة لتقصي وبحث الأوضاع على الطبيعة، وليس فقط بين جدران مكاتب الوزراء والاستشاريين والنافذين. ولدينا الآن فرصة المجلس الوزاري لدول حوض النيل لتفعيل سياستها واتفاقاتها على الواقع المأمول، بتكوين لجان الخبراء في الجوانب العديدة من التخصصات الاقتصادية والاجتماعية والهندسية ... إلخ، التي سوف تكتب أشكال التكامل الحقيقي بديلا للمنافسة والقومية الراهنة، وبذلك نضيف إلى العالم إقليما كاملا من الدول المترابطة في علاقات سلام وتعاون من أجل الجميع.
وختاما فإن العبرة ليست كامنة في كم من المياه تريد هذه الدولة أو تلك، لكن العبرة هي كيف توظف هذه المياه - أو بعبارة أوجز العبرة هي في مدي إنتاجية المياه!
آخر أراضي ري الحياض 1964 ربما في محافظة قنا، انظر
Unknown page