Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
152

Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

Valentia

إلى مصر في طريقه إلى بلاده، وكانت قد قامت في عام 1805 بعثة بريطانية برئاسته مع «هنري سولت»

Salt

إلى جهات الحبشة حتى يعقد مع الأحباش محالفة وتحصل على ميناء في ساحل الدناكيل، تنزل به إنجلترة جيوشها لنقلها منه إلى الحبشة والزحف على مصر من الجنوب إذا غزا الفرنسيون مصر واحتلوها، فوصل «فالنتيا» بعد انتهاء بعثته إلى السويس في فبراير 1806، واستقبله محمد علي استقبالا فخما، فكتب الشيخ الجبرتي في حوادث 16 فبراير: «وفيه وصلت القافلة إلى القاهرة من باب السويس، ووصل أيضا صحبتهم جنرال من الإنجليز راكب في تخت، وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملا، فذهب عند قنصلهم، فلما كان يوم الأربعاء غايته 19 فبراير ركب في التخت، وذهب عند محمد علي بالأزبكية، فتلقاه وعمل له شنكا ومدافع، وقدم له هدية وتقادم ثم رجع إلى مكانه، وقد سر «مسيت» سرورا عظيما بهذه الحفاوة التي لقيها «فالنتيا» فكتب إلى «ملجريف» في 22 مارس من الإسكندرية: إنه لما كان اللورد «فالنتيا» قد أحضر معه خطابات توصية من حاكم الهند العام فقد وجد من واجبه أن يجعل الحكومة في مصر تستقبله استقبالا حسنا، ويسره أن يذكر للورد «ملجريف» أن أحدا من الأوروبيين - الذين لا يشغلون مناصب في قيادة الجيوش - لم يسبق أن ظفر بمثل ما لقيه «فالنتيا» من ضروب التكريم والالتفات العظيم على يد حكومة محمد علي، ثم استطرد «مسيت» يقول: وأما غرضي الوحيد من ذكر هذا الحادث فهو تزويدكم بما يثبت أن ما قمت به من جهود لفصل باشا مصر عن مصلحة فرنسا قد أثمرت أخيرا.» وانتهز «مسيت» فرصة هذا الترحيب الذي لقيه «فالنتيا» من الباشا، واحترام السلطات له، فاتخذ من وجود اللورد بالإسكندرية ذريعة لترويج الشائعات باعتزام إنجلترة احتلال هذه البلاد، ولتمكين النفوذ الإنجليزي، والقيام بدعاية واسعة لصالح المماليك، ولصالح محمد الألفي خصوصا بعد نجاح مندوبيه في إبرام الاتفاق المعروف مع الديوان العثماني بالقسطنطينية، وهو الاتفاق الذي نسب الوكلاء الإنجليز الفضل في إبرامه إلى رجال سفارتهم بها زورا وبهتانا.

فكتب «دروفتي» إلى «تاليران» في 11 يونيو أن «مسيت» يعلن قرب وصول القبطان صالح باشا إلى دمياط مكلفا بإعطاء حكومة مصر للبكوات المماليك، وأن الإنجليز يبذلون قصارى جهدهم للتأثير على الرأي العام هنا، فاحتفلوا بميلاد مليكهم جورج، ثم إنه عند وصول اللورد «فالنتيا» رحبوا به ترحيبا عظيما، ولقد أفلحوا في إقناع الناس بأن مصر سوف تكون لهم يوما من الأيام، حتى إن أحد التجار المغاربة وهو إبراهيم بسه عبد الله زوج كريمة الشيخ محمد المسيري، وممن لهم نفوذ وسلطان بالإسكندرية قد بعث مع اللورد «فالنتيا» الذاهب إلى مالطة بهدايا كثيرة برسم القومندور «سدني سميث» الذي يقال عنه: إنه موجود في «مسينا »، ويعتمد الإنجليز في تأييد دعاواهم على واقعة احتلال إمبراطور فرنسا للصقليتين نابولي واحتمال قطع العلاقات مع تركيا.

هذا وقد أبحر «فالنتيا» إلى مالطة في 12 يونيو، ويبدو وأن بعض الجنود الأرنئود قد أهانوا اللورد في رشيد قبل مبارحته البلاد، وعاقبهم محمد علي، على أن «مسيت» بعد انتهاء هذا الحادث ببضعة شهور رأى إثارته مرة أخرى في وقت كان قد خلع فيه النقاب عندما انتهت بسلام أزمة النقل إلى سالونيك، وفشلت الجهود التي بذلت لتنصيب الألفي شيخا للبلد ووضع الحكومة الفعلية في يده، فطلب «مسيت» من ترجمانه عزيز بالقاهرة أن يحتج لدى محمد علي على مسلك حاكم رشيد علي بك السنانكلي مع نائب القنصل البريطاني في رشيد «البطروشي» وتراجمته، وعلى موقفه من الجنود الذين أهانوا اللورد «فالنتيا» عند وجوده بها، وكتب إلى الباشا في 11 أكتوبر 1806 يطلب العدالة باسم الحكومة التي يمثلها، والاقتصاص من علي بك، ويقول: وإن شكواه هذه هي الأولى التي أزمع تقديمها ضد هذا الحاكم الذي تغاضى عن الأرنئود الذين أهانوا اللورد «فالنتيا» والذين أراد الباشا نفسه عقابهم.

على أنه في الوقت الذي جرت فيه هذه الحوادث منذ وصول «فالنتيا» إلى مصر ومغادرته لها، كان الألفي قد بعث بمندوبيه محمد كتخدا و«ستافراكي» إلى القسطنطينية للمفاوضة، وانحصرت جهود «مسيت» في إنجاح هذه المفاوضات، ويدخل في ذلك محاولة خديعة محمد علي إزالة ما قد يساوره من شكوك من ناحية «مسيت» نفسه ومسئوليته في هذه المفاوضة التي لم يكن الغرض منها سوى التمهيد لهدم حكومته وطرده من الولاية وإعادة تأسيس الحكم المملوكي في البلاد، كما حرص «مسيت» على مراقبة نشاط الوكلاء الفرنسيين ومكافحة النفوذ الفرنسي لدى الباشا، ثم في الإسكندرية خصوصا وتهيئة الأفكار في الثغر لقبول الأوضاع الجديدة إذا نجحت مفاوضات مندوبي الألفي، أو اعتزم الإنجليز إرسال جيش لاحتلالها.

أما عن محاولة خديعة محمد علي فتتضح هذه الحقيقة من مراجعة كتب «مسيت» إلى «أربثنوت» في القسطنطينية لتوصيته بمندوبي الألفي، ثم ما صار يكتبه في الوقت نفسه لمحمد علي، فقد حمل «مسيت» ترجمان الألفي «ستافراكي» - على نحو ما عرفنا عند الكلام عن أزمة النقل إلى سالونيك - رسالة إلى «أربثنوت» في 22 مارس جاء بها أن الألفي وكل رجل محايد يعلن أن مصر لن تحظى بالهدوء والاستقرار إلا إذا أعيد تأسيس الحكومة المملوكية بها، وأن الباب العالي إذا سلك مسلك الحكمة والرشاد في سياسته وجد من صالحه أن يطلب من الإنجليز وضع شطر من قواتهم بالإسكندرية، وأن الحكومة الإنجليزية إذا لبت هذا الطلب تخلصت من أولئك الذين استبدوا بها، ويعني «مسيت» بذلك الأرنئود ومحمد علي، ثم يقترح عند عدم إمكان احتلال الإسكندرية بقوات بريطانية - الأمر الذي انعدم كل أمل لديه في تحقيقه كما قال - أن يعترف الباب العالي بالمماليك حكاما شرعيين في مصر، وأن يأمر في الوقت نفسه برحيل الأرنئود منها فورا وإلا صاروا عصاة خارجين على طاعته، ثم إن «مسيت» عندما أبلغه «أربثنوت» بأن الباب العالي لا يريد وساطته في المفاوضات الجارية بين الديوان العثماني ومندوبي الألفي، لم يلبث أن اعترف في رسالته إلى السفير من الإسكندرية في 11-15 يونيو 1806 بأنه هو شخصيا الذي شجع الألفي على أن يطلب من السفير وساطته محافظة على المصلحة الإنجليزية، وهذه كانت في نظر «مسيت» طرد محمد علي من الولاية كخطوة لا غنى عنها لإمكان تأسيس الحكم المملوكي في مصر، وإفساح الطريق - نتيجة لذلك - للاحتلال البريطاني لها.

ومع هذا فقد بادر «مسيت» ينفي لمحمد علي أن له يدا في مسألة ذهاب مندوبي الألفي إلى القسطنطينية، ويحاول أن يوحي إلى محمد علي أن من سياسة حكومته أن تستقر حكومة الباشا في مصر، بل ويبذل له النصح والإرشاد بصدد الوسائل التي قد تمكنه من دفع الغزو الأجنبي عن البلاد، ولم يكن غرض «مسيت» من هذا النصح والإرشاد سوى إظهار أن فرنسا والوكلاء الفرنسيين هم مصدر الخطر المنتظر على ولاية محمد علي؛ وعلى ذلك فقد كتب إليه في 14 أبريل رسالة مسهبة استهلها بقوله: لقد علمت بكل أسف أنكم تستمعون لوشايات الأعداء في حقي، فاعتقدتم أني قابلت بمنزلي كخيا الألفي بك وأرسلته إلى القسطنطينية، إن من أبلغكم هذا رجل كاذب. ومن الواضح أن هذا الإنكار لواقعتي المقابلة في بيت «مسيت» وإرسال محمد أغا كخيا الألفي صحيح، ولكن «مسيت» بنفي هاتين الواقعتين أراد التنصل من المسئولية من هذه المسألة والتمويه على محمد علي بأنه لا يعمل ضد حكومته: بيت القصيد من هذا الإنكار، وهذا لم يكن صحيحا.

ثم راح «مسيت» يسوغ ما عرف أن الباشا واقف عليه حتما وهو علاقاته مع المماليك والألفي، فقال: وإن واجبي كمعتمد أو مقيم يمثل صاحب الجلالة الملك في هذه البلاد هو معرفة مجريات الأمور في مصر، وعدم إغفال الوقوف على أغراض ومشاعر المماليك، ثم كذب كذبته الكبرى عندما قال: ولكن هذا لا يعني أني أشجع المماليك، بل إني لأتحدى كل إنسان مهما كان شأنه ليثبت أني قمت بأقل تشجيع للبكوات أو أني أعطيتهم أية بارقة أمل في انتظار المساعدة مني؛ ولذلك فإذا أخبرتني سموك عن ذلك الذي ذكر لكم أني ساعدت كخيا الألفي على الذهاب إلى القسطنطينية فإني سوف أدعوه لإقامة الدليل على صحة ادعائه أمام أية محكمة تختارونها، إن رغبة الحكومة البريطانية هي أن تتمتع حكومة مصر بسلطة كاملة مطلقة حتى يتسنى لها الدفاع عن البلاد؛ لأنه إذا استولى الفرنسيون عليها استطاع هؤلاء في سنوات قليلة إعداد الحملات وإرسالها ضد ممتلكات الإنجليز في الهند، مثال ذلك إذا كان جند سموكم مشغولين بالنضال ضد المماليك في الصعيد والوجه البحري وظهر العدو فعلا أمام الإسكندرية فإنه ليتعذر على سموكم أن تتخذوا فورا الإجراءات التي تمنع نزول العدو، ولكنه على العكس من ذلك إذا لم يكن هناك جند عصاة ومتمردون على سلطانكم أمكنكم دون خوف أو وجل ودون حاجة إلى إمهال أو تأجيل أن توجهوا كل قواتكم ضد العدو الذي لا يستطيع حينئذ الاستيلاء على مصر وتنفيذ مشاريعه العدوانية على الهند؛ لهذا كله ترون أنه ليس من مصلحة الإنجليز في شيء حماية العصاة الثائرين، وأن ما بلغ محمد علي لا يعدو كونه أكاذيب لفقها وأذاعها أعداء بريطانيا، ويقصد «مسيت» بهؤلاء الأعداء الوكلاء الفرنسيين.

Unknown page