الرائد فون تلهايم، ويوست وباول فرنر يقفون في صف، إن صح هذا التعبير، وفي صف أمامهم تقف الآنسة مينا فون بارنهلهم ووصيفتها فرنتسيسكا.
مينا بارنهلم من تورنجن في ساكسونيا حيث تمتلك الضياع الواسعة، تعرف الرائد فون تلهايم عليها أثناء عسكرته هناك، فتحولت إلى حبيبة متيمة، فلما انقطعت أخبار حبيبها ضاقت الدنيا في وجهها، وراحت تبحث عنه، حتى وجدته. وقد نجح لسينج في تصوير مشاعر مينا نجاحا كبيرا. ها هي مثلا تهلل لاستعادتها حبيبها: «لقد استعدته يا فرنتسيسكا، أترين؟ لقد استعدته. لا أعرف من فرط الفرحة أين أنا. افرحي معي يا عزيزتي فرنتسيسكا، ولكن، لماذا أنت؟ بل افرحي، عليك أن تفرحي معي. تعالي، يا عزيزتي، سأقدم لك هدية حتى تستطيعي أن تفرحي معي. تكلمي يا فرنتسيسكا، ماذا تحبين أن أقدم لك؟ ماذا يعجبك من حاجياتي، ماذا تحبين؟ خذي ما يحلو لك، المهم أن تفرحي.»
وتصل في التعبير عن فرحها إلى القمة عندما تقول: «هل هناك أحب إلى الخالق من التطلع إلى مخلوق فرحان؟»
فلما التقت بحبيبها، ابتعد عنها حتى لا يؤدي بؤسه إلى إتعاسها، ولكن قلبها العامر بالحب الخالص لم يتزعزع، ولم يخدعه تظاهر تلهايم بالتنكر، فكان حديثها إلى تلهايم: «صبرا، أنت ما زلت تحبني، هذا يكفيني. ما هذه اللغة التي وقعت فيها وأنا أحادثك؟ إنها لغة منفرة، حزينة، معدية. سأعود إلى لغتي. أي حبيبي التعس، ما زلت تحبني، وما زالت مينا لك ثم لا تزال تعسا؟! أي مخلوق موهوم، غريب الأطوار كانت حبيبتك مينا وما زالت؟ كانت تحلم، وما زالت تحلم، بأنها هي سعادتك كلها. أسرع واطرح من جعبتك ما لديك من بؤس، حتى يمكنها أن تقارن هذه السعادة بهذا البؤس أيهما يرجح. هه؟»
ومينا تجيد الحوار حتى إنها توشك أن تقنع الرائد العنيد. ها هي تضحك من مبالغته تصوير محنته وتهون عليه خطبه: «ولم لا؟ ما اعتراضك على الضحك؟ ألا يستطيع الإنسان أن يكون جادا جدا وهو يضحك؟ يا عزيزي الرائد، إن الضحك يبقي علينا عقلنا أكثر مما يفعل العبوس، والدليل ماثل بين أيدينا. صاحبتك الضاحكة تقدر الظروف خيرا منك أنت. أنت تسمي نفسك مصابا في شرفك لأنك أحلت إلى الاستيداع، وتسمي نفسك مشوها لأنك تلقيت رصاصة في ذراعك. هل هذا صحيح؟ أليست هذه مبالغة؟»
أما فرنتسيسكا فنموذج للوصيفة اللطيفة النبيهة المخلصة التي تعيش أفراح سيدتها وأحزانها، وتقف إلى جوارها بالنصيحة والدهاء والحيلة، وهي من الشخصيات القليلة في الكوميديا التي تشيع المرح حقيقة. صاحب الفندق يأخذ بيانات عن الآنسة فون بارنهلم ومرافقتها، فيسمي فرنتسيسكا «امرأة خادمة». هنا تثور فرنتسيسكا وتصحح الأمر على هواها: «إذن فاكتب يا سيدي، بدلا من امرأة خادمة، بنت خادمة؛ فقد سمعتك تقول إن الشرطة دقيقة جدا، وربما حدث سوء فهم قد يؤدي إلى مشاكل عندما أتقدم يوما بطلب عقد قراني؛ فأنا ما زلت بنتا حقا وصدقا، اسمي فرنتسيسكا واسم أبي فيلليج؛ فرنتسيسكا فيلليج. وأنا أيضا من تورنجن. كان أبي يعمل طحانا في ضيعة من ضياع الآنسة الكريمة اسمها كلاين-رامسدورف. وقد آلت الطاحونة إلى أخي، والتحقت وأنا صغيرة ببلاط الآنسة الكريمة ونشأت معها، عمرنا واحد، سنبلغ يوم زفة الشموع القادم الواحد والعشرين. لقد تعلمت كل ما تعلمته الآنسة الكريمة، وأحب أن تعرفني الشرطة جيدا.» وتنسج فرنتسيسكا مع فرنر قصة حب تنتهي بزواجهما.
وقد أبدع لسينج في تطوير شخصية صاحب الفندق وشخصية ريكو. أما صاحب الفندق فرجل لا أخلاق له، بعبد المال ويتجسس على أسرار الآخرين، ويتظاهر بأنه ليس كذلك، ويلجأ إلى الحيلة والدهاء والكذب لإظهار الأمور على غير حقيقتها ، فهو لا يتورع عن إخراج الرائد من حجرته الجيدة ونقله إلى حجرة رديئة، ولا يتورع عن الادعاء بأن الحجرة الرديئة حجرة جميلة، وأنها تمتاز بكذا وكذا من الصفات التي ليست فيها. وعندما يحس أن الرائد ما يزال يحتكم على بعض المال يقرر أن يرشو خادمه يوست بخمر معتقة حتى يبقى الرائد في فندقه إلى أن يستنزف ما بقي لديه من مال. أما فضوله وتجسسه على نزلائه فيظهر على أوضح صورة في هذا الحوار بينه وبين فرنتسيسكا:
صاحب الفندق :
لحظة واحدة فقط. ألم تأت أخبار جديدة من السيد الرائد؟ لا يمكن أن يكون ما حدث هو الوداع.
فرنتسيسكا :
Unknown page