Min Naql Ila Ibdac Nass
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Genres
28
وقد يتجه الشرح إلى محو الفرق بين المنطق والطبيعة، كما امحى الفرق بين الطبيعة وما بعد الطبيعة. الفرق بين الطبيعة هو الفرق بين المنهج والتطبيق، بين التصور وموضوعه، بين عالم الأذهان وعالم الأعيان، بين الواحد والكثير. قد يعاد بناء المنطق وحده خاصة الفصول؛ أي الأجناس، بحيث يعاد ترتيبها لإثبات الواحد، جنس الأجناس، والانتقال من المنطق إلى الميتافيزيقا.
29
يعاد بناء الطبيعة وحدها، من أجل إثبات حركتها ضد إنكار الحركة (زينون)، حتى يتم الانتقال من الحركة إلى الثبات، ومن المتحرك إلى اللامتحرك، وإثبات اليقين من الظن، والحق من الباطل، وإخراج الشيء خارج الوهم، كما فعل برجسون في العصر الحديث،
30
وكذلك إثبات الأضداد كخطوة لا شعورية لإثبات الهوية.
31
ومما لا ريب فيه أن الشراح اليونان يكشفون عن ارتقاء في الوعي الفلسفي اليوناني، مواز للارتقاء في الوعي الغربي المسيحي كمصدرين متوازيين في الوعي الأوروبي. الأول عقل مجرد يتجه نحو الوحدة، التوحيد الطبيعي الذي اكتمل بعد ذلك في آخر القرن السادس، وتم الإعلان عنه في القرن السابع. كان التوحيد الطبيعي حاجة ملحة في العصر الهليني، وكان يمثل مشروعه الحضاري. والثاني كان إيمانا ارتكز على العقائد والديانات المجاورة، واختلط فيه الواحد بالكثير. ويبدو ذلك من مواضيع مقالات الإسكندر الأفروديسي، مثل تأثير الأجرام السماوية وتدبيرها، بما يشير إلى موضوع العناية الإلهية، وكذلك رسالة في العالم وأي أجزائه تحتاج في ثباتها ودوامها، إلى تدبير أجزاء أخرى، تحيل أيضا إلى موضوع العناية، وكذلك رسالة في القوة الآتية بين حركة الجرم الشريف إلى الأجرام الواقعة تحت الكون والفساد، تشير إلى الثنائية القديمة بين ما فوق القمر الخالد وما تحت فلك القمر الفاني، وكذلك مقالة في العناية على رأي ديموقريطس وأبيقورس، وتحليل العناية الشخصية في تاريخ الفلسفة اليونانية. أما مقالة في الرد على من قال إنه لا يكون شيء إلا من شيء، فهي رؤية للخلق من عدم على طريقة الفلاسفة. كما يذكر للإسكندر كتابان «كتاب التوحيد» و«كتاب آراء الفلاسفة في التوحيد». وربما يكونان جزأين لكتاب واحد، الأول في الموضوع والثاني في تاريخه. كما يتم الانتحال باسم الشراح نظرا لسلطتهم المعنوية.
32
كثير من مؤلفات الإسكندر إذن في موضوعات دينية مثل العناية، ورفض خروج شيء إلا من شيء، إثبات الصور الروحانية، الهيولى مفعولة، كتاب التوحيد؛ ومن ثم صعب التمييز بين الشارح اليوناني والشارح الإسلامي (الكندي)؛ نظرا للاتصال الحضاري الفكري والتاريخي بين الحضارتين، اليونانية والإسلامية. وما أسهل اعتماد المسلمين على الإسكندر فهو ابن سينا قبل ابن سينا، والفارابي قبل الفارابي. المهم الدافع الذي جعل الإسكندر يفسر أرسطو هذا التفسير الديني. أما مقالته في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها، فإيمان عقلي صريح، موضوع إلهي ميتافيزيقي لإثبات الصور المفارقة ببراهين عقلية؛ فالإيمان العقلي عند الإسكندر سابق على الإيمان الديني في الدين، وتال له عند الحكماء؛ الإيمان العقلي هو البداية والنهاية، وهو الأصل الدائم، الإيمان الديني فرع وقتي بين قوسين،
Unknown page