Min al-naql ilā al-ibdiʿ (al-mujallad al-awwal al-naql): (2) al-naṣṣ: al-tarjama – al-muṣṭalaḥ – al-taʿlīq
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Genres
7
وبطبيعة الحال يبرز الوافد في تعاليق ابن باجة على كتاب إيساغوجي للفارابي.
8
ويتقدم أرسطو ثم فرفوريوس. وتتم الإحالة إلى باقي أجزاء المنطق. ويظهر أرسطو مع الفارابي؛ فالتعليق هنا تتناص بين ابن باجة والفارابي وأرسطو، قراءة ابن باجة لقراءة الفارابي لأرسطو. لم يرتب أرسطو الفصول، ولم يضعها، ولم يتكلم فيها الفارابي من حيث هي نظرية ورتبها كالأجناس؛ فابن باجة لديه إحساس بإبداع الفارابي بالنسبة إلى أرسطو، فإذا رسم أرسطو الكلي، وهو ما يحمل على أكثر من واحد، يقدم الفارابي رسما إضافيا على أرسطو؛ فرسم أرسطو جزئي لا يشمل كل الأصناف، كما رسم أرسطو العرض في كتاب الجدل، ولكن رسم الفارابي أعم وأشمل. ورسم أرسطو الكيفية ثم شرح الفارابي أسماءها ومعانيها ومقاصدها؛ لأن أرسطو ذكر حدودها فقط كما فعل في كتاب الجدل.
9
لم يرتب أرسطو هذه الفصول ولم يضعها، وتلك إضافة الفارابي على أرسطو، وإكماله صناعة المنطق، وهي كأجناس الصناعة كلها؛ فالفصل الخامس من العبارة قائم عليها، والأسماء المشتركة تطبيق لها، ونسبة الفصول إلى المنطق مثل نسبة أقسام الكلام إلى النحو. كما أن المنطق بالنسبة للفلسفة مثل النحو بالنسبة للكلام؛ فالفارابي ينقل المنطق اليوناني على النحو العربي، ويرتب الفصول، ويكشف نظامها العقلي وبنية الموضوع. ويدرك ابن باجة بدقة دور الفارابي؛ مما يجعل التعليق ربما نوعا أدبيا متأخرا بعد الجوامع؛ أي تراكم الوافد حتى يصبح موروثا كمرحلة وسطى في التحول من النقل إلى الإبداع. كما يشعر ابن باجة بإبداع الفارابي في رسم الكلي؛ فهو عند أرسطو يحمل على أكثر من واحد، ثم يقدم الفارابي رسما جديدا، وهو رسم بالإمكان الذي للمعنى من جهة ما هو معقول، ورسم الشخص بعدم هذا الإمكان وبالامتناع؛ فرسم أبي نصر أكثر منطقيا وفلسفيا وذهنيا. ويعطي ابن باجة عدة تأويلات للفارابي؛ فهو أيضا مبدع معه كما كان الفارابي مبدعا مع أرسطو.
10
ويظهر الموروث في تعاليق ابن باجة على كتاب ايساغوجي للفارابي، وبطبيعة الحال يأتي الفارابي في المقدمة، هو ومؤلفاته.
11
ويحال إلى اللسان العربي دون اللسان اليوناني. ويشعر ابن باجة أن الفارابي مؤلف وليس شارحا للمنطق. الفارابي وحده هو الذي وضع الفصل من حيث هي صناعة لها أجزاؤها وترتيبها، وموجودة بالقوة في الوحي، جمع الفارابي هذه الفصول وأحصاها. ليست جزءا من الصناعة إنما هي تقرير وتحصيل للأشياء التي ينبغي معرفتها قبل الصناعة، وعرضها هنا كجزء من الصناعة. أبدع الفارابي وأكمل المنطق وكأن ابن باجة يقرأ نفسه في الفارابي؛ ومن ثم يكون الفارابي مبدعا بالنسبة لأرسطو. الإبداع إعادة قراءة للترجمة والشرح أو مرحلة انتقال أو تحول من النقل إلى الإبداع. واسم صناعة المنطق مشتق مما ذكره أبو نصر، علم مشتق من اللغة العربية من النطق وليس وافدا من اليونان.
Unknown page