Min Naql Ila Ibdac Nass

Hasan Hanafi d. 1443 AH
162

Min Naql Ila Ibdac Nass

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق

Genres

وتظهر أخيرا قضية اللغة العربية ولسان العرب والترجمة والتعريب، والمصطلح الفلسفي والأسماء العربية والبيئة العربية؛ فكل فكر مرتبط بلغته؛ الفكر اليوناني باللغة اليونانية، والفكر الإسلامي باللغة العربية، وهو موقف الفقهاء منذ الشافعي حتى ابن تيمية؛ لذلك يشير ابن رشد كثيرا إلى لسان العرب، ويضرب الأمثلة على ذلك مثل الصريح الذي يدل على الضوء والظلمة، والجليل الذي يدل على الصغير والكبير؛ مما يوحي بأن الشرح هو نقل الفكر اليوناني من مستوى اللغة اليونانية إلى مستوى اللغة العربية. ويشرح ابن رشد كيف ينشأ المصطلح الفلسفي؛ فاسم الهوية ليس مشكلا عربيا، ولكن اضطر إليه بعض المترجمين واشتقوه من حرف الرباط، هو بالمعنى الذي يدل عند العرب على ارتباط المحمول بالموضوع، على عادة العرب من اشتقاق اسم من اسم وليس اسما من حرف يدل على ذات الشيء، كما هو الحال في اللسان اليوناني

Einai

فعل الكينونة. ولفظ الهوية أفضل من الوجود؛ لأنه في لسان العرب من الأسماء المشتقة التي تدل على الأعراض؛ لذلك كان أحق بالدلالة على المقولات العشر التي تصف الأعراض، كما هو الحال في لسان العرب، زيد أبيض وليس زيد في بياض، ليس الشرح مجرد تكرار المعلومات، بل إدخال النص المشروح في النص الشارح، ويعتمد الشرح على ترجمة القدماء وفهم طرقها، وكيفية التغلب على المصطلح اليوناني، وإيجاد مرادف عربي طبقا للسان العربي وعادة العرب في الكلام، هناك إبداع على مستوى اللغة ونشأة المصطلح الفلسفي، فقد كان المترجمون مثقفين عربا وليسوا أجانبا، ولاؤهم للموروث وليس للوافد، الوافد علوم الوسائل والموروث علوم الغايات. ومع حرص المترجمين لم يأمن ابن سينا من الوقوع في الخطأ، يحلل معاني بعض الأسماء والاستعمالات في اللسان اليوناني، ليعرف إلى أي حد هناك ما يقابلها في اللسان العربي، مثل الجنس وضرب المثل بالينوس وبأينوس وعدم استعمال اسم الجنس في اللسان العربي على الأب الأول. كما أن هناك بعض الاستعمالات اليونانية مثل العلة والأرقام مستكره في اللسان العربي، هناك تقابل بيننا وبينهم، بين الأنا والآخر، بين اللسان العربي واللسان اليوناني، بين لغة الوافد ولغة الموروث،

32

ففي اللسان اليوناني يطلق اسم الفعل على العمل، وهذا له دلالته الفلسفية، أن الفعل من جنس العمل مما يدل على التمام والكمال، كما أن الجنس يدل على العنصر لا على الجنس بمعنى القوم كما هو الحال في لسان الهرقليين، ويعتمد ابن رشد على لسان العرب، الإيجاب الذي يراد به السلب، والسلب الذين يراد به الإيجاب، والاستشهاد على ذلك بآيات القرآن، وكذلك مثال الشيء أو العرض في وصف الأمور الصناعية والطبيعية، وقد يتفق اللسان العربي مع اللسان اليوناني، وقد لا يتفق مثل تكرار الفصول الخمسة للشيء الواحد، ومثل الفرق بين «أم» و«أو» في اللسان العربي، ومقارنة ذلك باللسان اليوناني، ففي السان العربي «أم» قد لا يكون كلاهما، في حين أن «أو» تعني بالضرورة واحدا.

33

ويشرح ابن رشد نشأة المصطلح الفلسفي، ناقلا القضايا الميتافيزيقية العامة إلى قضايا لغوية، ابتداء من تحليل الألفاظ كما هو الحال في علم الأصول في تحليل معاني الألفاظ، وأنواعها: المعنى الاشتقاقي، والمعنى العرفي، والمعنى الشرعي الاصطلاحي؛ فمصطلح القنية الذي ظهر منذ الكندي من الاقتناء عند المترجمين في نص أرسطو، وكذلك مصطلح الأيس الذي ظهر منذ الكندي، وما زال موجودا عند ابن رشد في النص المترجم، ثم اختفاؤه في الشرح وظهور الأشياء بدلا عنه، ويمكن استعمال قواعد النحو العربي لشرح ألفاظ المنطق؛ فالمنطق لغة، واللغة نحو مثل شرح «له» في المنطق بلام الكمية في النحو العربي.

وبالرغم من التركيز على أهمية لسان العرب، وعادة العرب والجهل في النقل، ونشأة المصطلح الفلسفي، فقد بقت بعض المصطلحات معربة مثل أسطوخيا بتعريب صوتي، وحرفي الأسطقس بتعريب صوتي معدل جمعا ومفردا، السوفسطائي، السوفيطقي مما يوحي بنقل الأسلوب العربي من كثرة التكرار، والبعض صعب نطقه مثل الأسطقسية ونادر الاستعمال، وأحيانا يظهر لفظ أسطقس في صفحة واحدة أكثر من عشرين مرة، مما يجعل الأسلوب أقرب إلى الوافد منه إلى الموروث،

34

وتظهر بعض المصطلحات المعربة من الموسيقى مثل الأنيطادياسيس؛ أي البعد اللفظي، أو النغمة المشتركة لبعدين لا تنقسم أي التون، أو الفلسفة مثل الفانطاسيا أو النطق مكون أبوفانسيس التي تعني النقيضة، الأنطيفاسيس، ومصطلحات العلم مثل الأيطيقي التي تعني علم البصر والجيوميطريا، علم الهندسة، والجاردوسيا، علم الأمور المحسوسة البالية الفاسدة، أطاليلي أي المائة رطل، وقد يتبادل التعريب مع الترجمة مثل قاطيغورياس والمقولات. والغريب أن تبقى هذه المصطلحات معربة حتى القرن السادس، ولم يتحول نص أرسطو نهائيا إلى نص عربي.

Unknown page