269

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

194

وقد كان هم كل متكلم أشعري المباراة في إثبات قدم الكلام والتفصيل في الحجج وكأنها مسألة بها ترعى مصالح الأمة. منها ما يعتمد على قدم الصفات أو على إثبات الأزلية أو على نفي الضد واستحالة الخلق أو على مجرد المعنى العام المفهوم من الخبر.

195

والقول بقدم الكلام يؤدي بالضرورة إلى القول ببقائه. فإذا كان الكلام أزليا فإنه يكون كأوصاف الذات المشخص. فهو لا أول ولا نهاية له في الزمان. ولا يؤثر في ذلك كون الكلام جسما أم عرضا؛ لأنه يكون حينئذ جسما أو عرضا باقيا في حين أن الأجسام والأعراض الأخرى غير باقية.

196

وإمعانا في إثبات البقاء يكون الكلام كله باقيا، سواء كان الكلام صفة للذات المشخص أو كلام الإنسان.

197

ومع ذلك لم تحظ صفة البقاء بما حظيت به صفة القدم تماما كما كان الحال في أوصاف الذات عندما حظي القدم باهتمام أكبر من البقاء، وكان ما لا أول له أهم بكثير مما لا نهاية له، وكأن الماضي أهم من المستقبل، وكأن الغوص في الماضي والبحث عن الجذور أهم من التطلع إلى المستقبل والتخطيط له. فإذا كان القول بالقدم يستتبع القول بالبقاء كما يستتبع القول بالحدوث القول بالفناء فكيف يشارك الكلام الله في البقاء كما يشارك في القدم؟ أليس ذلك قولا بتعدد القدماء؟ وكيف يشارك الكلام وهي صفة في القدم وهو وصف للذات؟

والحقيقة أن القول بتمايز المستويات في الكلام تفاديا للخلط بينهما يكون موقفا تطهريا صرفا، يقوم في حقيقة الأمر على مادية مقنعة، وكأن موقف الخلط وموقف التمييز كلاهما واحد، الأول مادية صريحة، والثاني مادية مقنعة. فما السبيل إلى معرفة الكلام القديم الأزلي؟ نحن لا نعرفه إلا من خلال الكلام الحادث، وبالتالي لا يمكن معرفة كلام الله كصفة قديمة إلا من خلال الوحي، أي بلغة الإنسان المقروءة والمسموعة، وهو كلام حادث. وإذا كان الكلام نفسانيا ليس بأصوات ولا حروف فإن السؤال يكون نفسانيا بالنسبة لمن: نفس الله أم نفس الإنسان؟ وهل لله نفس يختزن فيها المعاني كما هو الحال عند الإنسان؟ أليست نفس الله هي نفس الإنسان مدفوعة إلى أعلى، صورة مكبرة لصورة أصغر بدافع التعظيم والإجلال، إقلالا من شأن الذات، وتعظيما من شأن الآخر؟ وإذا كان الكلام أحدي الذات، فإن إنكار التعدد إنكار للمستويات، وبالتالي وقوع في الخلط بينها من جديد. وإذا كان الكلام ليس بحروف ولا أصوات ضد الحدوث، فما علاقة الكلام القديم بالكلام الحادث؟ ليس المهم هو الاعتراف بالتمييز بين المستويات، بل إيجاد الصلة بينها، وإلا وقعنا في الخلط بينهما من جديد. وإذا كان الكلام مغايرا لباقي الصفات، فكيف يكون مغايرا لها وهو مصدرها؟ ما صلة الواحد بالكثير، والمعنى باللفظ؟ لذلك لا فرق في النهاية بين الخلط وبين المستويات أو بين التمييز بينها. الأول يجعل الله إنسانا، فالكلام صوت وحرف، والثاني يجعل الإنسان إلها، فالإنسان تكلم بكلام الله القديم. إن القول بقدم الكلام لناتج عن ربطه بالتأليه المشخص وجعله مشاركا له في القدم والأزلية والأبدية واللانهائية. وما دام التأليه المشخص غير مجسم كان الكلام كذلك. فالكلام قديم لفظا ومعنى مما يؤدي في النهاية إلى القول بأن الكلام جسم أو أنه قديم ومحدث في آن واحد، فإذا ما غالى البعض في إثبات القدم مزايدة في التنزيه، فإنه يجعل الكلام كله قديما، سواء كان معنى أو لفظا قائما بالذات المشخصة أو بفعل القراءة وبحركة اللسان.

198

Unknown page