ففي مساء أحد الأيام فيما الملك سزوستريس يتنزه مع ملاكه على الشاطئ بالقرب من منفيس، قال له: ها أنا ذا ملك يا سيدي، وبودي أن أستحق الملك، فكيف أعمل؟
فأجابه مرشده: تعال معي إلى هذه البناية الكبيرة، التي بنى أوزيريس سورها الجميل، تتعلم كيف تعمل.
فأطاع الملك، ولما وصل إلى البناية رأى في ساحتها إلهتين مختلفتين، إحداهما على جانب عظيم من الجمال والرونق، كانت مستلقاة بين الأزهار، يحيط بها الحب اللعوب والظرف المغوي، وكأنها ما تزال سكرى من اللذة.
وكان على مقربة منها ثلاثة مساعدين، تبدو عليهم مظاهر الجفاف والهزال والإصفرار والخور، فسأل الملك مرشده الأمين قائلا: من تكون هذه العروس البالغة هذا المبلغ من الرقة والجمال؟ وما شأن هؤلاء الثلاثة المقيتين؟
فأجابه المرشد: أتجهل من هي هذه العروس الحسناء يا أميري؟
إنها الشهوة، معبودة كل من في بلاطك، ومن في المدينة والريف، أما هؤلاء الثلاثة المقيتون الذين يمشون دائما وراء سيدتهم، فهم المقت والسأم والندم، الأشباح البشعة، أبناء اللذة القدماء.
فحزن الملك المصري لدى سماعه هذه الحقيقة، وسأل مرشده قائلا: وهذه الإلهة الأخرى، من تكون؟ فإني أراها دون هذه سهولة ورقة، ولكن سيماءها النبيلة وصفاءها الرصين تعجبني هي كذلك، أرى إلى جانبها صولجانا من الذهب وسيفا وميزانا، وفي يدها صحائف تصرفها عما حولها، وأرى هيكلا جميلا ينفتح لدى صوتها متألقا نورا وبهاء، وعلى واجهة الرواق العظيم أقرأ هاتين الكلمتين: إلى الخلود! أبوسعي الدخول إلى هذا الهيكل؟
فأجاب الملاك: الأمر شاق، فكثيرون حاولوا الدخول إليه ثم عدلوا قانطين، فهذه الحسناء التي تبدو لك صلبة قاسية قد تلتهب أحيانا، وإذا كانت الشهوة أشد عذوبة وإحساسا وأكثر فتونا فهذه أعرف بالحب، ولكن من يريد أن يحل في نظرها محلا موفور الكرامة، يجب عليه أن يتصف بروح عادل وقلب نقي وفي، إنها الحكمة، وهذا الهيكل اللألاء الذي انفتح الآن هو هيكل المجد. ألا فاختر بين هاتين الإلهتين؛ إذ لا تستطيع أن تكون كلتيهما معا.
فقال الملك الشاب: لقد تم اختياري، ولغيري أن يرغب في حب الاثنتين معا، فبوسع إحداهما أن تسعدني هنيهة من الزمن، أما الأخرى فتستطيع بي أن تسعد العالم.
ثم طبع على الأولى قبلتين وهو ماض، ولكنه وهب قلبه للثانية.
Unknown page