فقال ممنون: واحسرتاه! لماذا لم تجئ في الليلة الفائتة لتمنعني من ارتكاب تلك الحماقات كلها؟
فأجابه المخلوق السماوي: كنت منشغلا بحسن، أخيك البكر، فهو أدعى إلى الشفقة منك؛ فصاحب الجلالة ملك الهند الذي أوتي أخوك شرف الإقامة ببلاطه، أمر بأن تفقأ له عيناه الاثنتان بسبب هفوة صغيرة، وهو الآن في السجن مكبل اليدين والرجلين بالحديد.
فقال ممنون: إن وجود روح صالح في عائلة لا يخلو من الفائدة، ما دام لا يمنع أن يصير أحد الأخوين أعور والآخر أعمى، أحدهما على القش والآخر في السجن.
فقال حيوان النجمة: ولكن حظك سيتبدل، لا أكتمك أنك ستبقى دائما أعور، ولكنك ستذوق شيئا من السعادة بشرط أن لا تحدثك نفسك بالوصول إلى الحكمة الكاملة.
فقال ممنون متنهدا: إذن يستحيل على الإنسان أن يصير حكيما كاملا؟
فأجابه الروح: كما يستحيل عليه أن يبلغ المهارة الكاملة، والقوة الكاملة، والسلطة الكاملة، والسعادة الكاملة، نحن أنفسنا أبعد بكثير من بلوغ هذا الكمال، ثمة كرة يجتمع فيها كل هذا، ولكن كل شيء يتعاقب تدريجا في المائة الألف من ملايين العوالم المنتشرة في المدى الرحب؛ ففي الثاني تقل الحكمة واللذة عنهما في الأول، وفي الثالث تقلان عنهما في الثاني، وهكذا دواليك حتى تصل إلى الأخير وكل من فيه مجانين.
فقال ممنون: أخشى أن تكون كرتنا الصغيرة هذه هي العالم الذي ذكرته.
فقال الروح: ليس تماما ما تقول، بل هي قريبة منه، يجب أن يكون كل شيء في مكانه.
فقال ممنون: ولكن هل أخطأ بعض الشعراء وبعض الفلاسفة في قولهم: إن كل شيء حسن؟
فأجاب الفيلسوف السماوي: بل أصابوا كل الإصابة حين نظروا إلى تنظيم الكون بمجموعه.
Unknown page