78

Mawʿiẓat al-muʾminīn min Iḥyāʾ ʿulūm al-dīn

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Editor

مأمون بن محيي الدين الجنان

Publisher

دار الكتب العلمية

كَانَتِ الْخَشْيَةُ أَغْلَبَ الْأَحْوَالِ عَلَى قَلْبِهِ فَإِنَّ التَّضْيِيقَ غَالِبٌ عَلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ، فَلَا تَرَى ذِكْرَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ إِلَّا مَقْرُونًا بِشُرُوطٍ يَقْصُرُ الْعَارِفُ عَلَى نَيْلِهَا كَقَوْلِهِ ﷿: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ) [طه: ٨٢] ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ (لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: ٨٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [الْعَصْرِ: ١ - ٣] ذَكَرَ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ وَحَيْثُ اقْتَصَرَ ذَكَرَ شَرْطًا جَامِعًا فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٥٦] فَالْإِحْسَانُ يَجْمَعُ الْكُلَّ، وَهَكَذَا مَنْ يَتَصَفَّحُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ.
وَمَنْ فَهِمَ ذَلِكَ فَجَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ حَالُهُ الْخَشْيَةَ وَالْحُزْنَ، وَإِلَّا كَانَ حَظُّهُ مِنَ التِّلَاوَةِ حَرَكَةَ اللِّسَانِ مَعَ صَرِيحِ اللَّعْنِ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هُودٍ: ١٨] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصَّفِّ: ٣] وَفِي قَوْلِهِ: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النَّجْمِ: ٢٩] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الْحُجُرَاتِ: ١١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، فَالْقُرْآنُ يُرَادُ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ حَرَكَةِ اللِّسَانِ فَقَلِيلُ الْجَدْوَى وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ حَقَّ تِلَاوَتِهِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ اللِّسَانُ وَالْعَقْلُ وَالْقَلْبُ، فَحَظُّ اللِّسَانِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِالتَّرْتِيلِ، وَحَظُّ الْعَقْلِ تَفْسِيرُ الْمَعَانِي، وَحَظُّ الْقَلْبِ الِاتِّعَاظُ وَالتَّأَثُّرُ بِالِانْزِجَارِ وَالِائْتِمَارِ، فَاللِّسَانُ يُرَتِّلُ وَالْعَقْلُ يُتَرْجِمُ وَالْقَلْبُ يَتَّعِظُ.

1 / 81