فانظر كيف حرمهم الشفاعة لما طلبوها من غير الله وأخبر أن حصولها مستحيل في حقهم في دار العمل من غيره وهذه هي الشفاعة التي نفاها القرآن كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ﴾ فهذه الشفاعة المنفية هي التي فيها شرك وأما الشفاعة التي أثبتها القرآن فإنما ثبتت بقيدين عظيمين: إذن الرب تعالى للشفيع ورضاه عن المشفوع له وهو لا يرضى من الأديان الستة المذكورة في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ الآية. إلا الإيمان الذي أصله وأساسه التوحيد والإخلاص كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إلى قوله: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ .
وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ لما ذكر شفاعته قال: "وهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا" وقال أبو هريرة ﵁ من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه".
قال شيخ الإسلام في هذا الحديث: فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله وقد كشفنا بحمد الله بهذه الآيات المحكمات تلبيس هذا المعترض الملبس ولجاجه وافترائه على الله ورسوله فإن دعوة غير الله ضلال وشرك ينافي التوحيد وأن اتخاذ الشفعاء إنما هو
1 / 49