Matalib Uli Nuha
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤١٥هـ - ١٩٩٤م
Genres
Hanbali Jurisprudence
غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ كَلَامَهُ، وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ: فَهُوَ يَتَضَمَّنُ لِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَلَا يُقَالُ: غَيْرُ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ بَعْضُ مَا تَضَمَّنَهُ - وَهُوَ أَسْمَاؤُهُ - مَخْلُوقَةٌ وَهِيَ غَيْرُهُ؟، فَقَدْ حَصْحَصَ الْحَقُّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَانْحَسَمَ الْإِشْكَالُ. إنَّ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى الَّتِي هِيَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كَلَامِهِ، وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَا يُقَالُ غَيْرُهُ، وَلَا هُوَ هُوَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: أَسْمَاؤُهُ تَعَالَى غَيْرُهُ، وَلِمَذْهَبِ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ: اسْمُهُ نَفْسُ ذَاتِهِ لَا غَيْرُهُ، وَبِالتَّفْصِيلِ تَزُولُ الشَّبَهُ، وَيَتَبَيَّنُ الصَّوَابُ، قَالَهُ فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " وَقَالَ حُجَّةً ثَانِيَةً لَهُمْ، قَالُوا: قَالَ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨]
﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ [الأعلى: ١]
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ امْتَثَلَ هَذَا الْأَمْرَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ» وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لَقَالَ: سُبْحَانَ اسْمِ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثُمَّ إنَّ الْأُمَّةَ
كُلَّهُمْ لَا يُجَوِّزُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: عَبَدْتُ اسْمَ رَبِّي، وَلَا: سَجَدْتُ لِاسْمِ رَبِّي، وَبِذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُسَمَّى لَا بِالِاسْمِ
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالِاسْمِ: فَالذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، لِأَنَّهُ ضِدُّ اللِّسَانِ، وَالتَّسْبِيحُ نَوْعٌ مِنْ الذِّكْرِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ دُونَ اللَّفْظِ بِاللِّسَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَلَمْ يَقْبَلْ الْإِيمَانَ وَعَقْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِاقْتِرَانِهِمَا وَاجْتِمَاعِهِمَا، فَصَارَ مَعْنَى الِاثْنَيْنِ: سَبِّحْ رَبَّكَ بِقَلْبِكَ، وَلِسَانِكَ، فَأَقْحَمَ الِاسْمَ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى لَا يَخْلُوَ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنْ اللَّفْظِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْقَلْبِ مُتَعَلَّقُهُ الْمُسَمَّى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَالذِّكْرُ بِاَللَّهِ مُتَعَلَّقُهُ اللَّفْظُ مَعَ مَدْلُولِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ
1 / 9