48

Masala Kubra

المأساة الكبرى: رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة

Genres

1

فهو غير جاهل حتى يلتمس له عذر يخفف من جرمه، كما قد يلتمس لسفاحي العصور الماضية الذين كانوا يحتقرون العلم، ويأبون تعلم صناعة الكتابة؛ لشدة احتقارهم لها، ويعتبرون صناعة «السيف» - أي: الطعن والضرب - أشرف الصناعات التي يجب أن يمتاز بها الرجال العظام، فهم إذا كانوا قد شنعوا، وفظعوا، ودمروا، وقتلوا ... إلخ، فإنما هم كانوا في أعمالهم على اتفاق تام مع أنفسهم.

وكانوا متفقين مع عصورهم أيضا، فالناس في تلك الأزمنة البعيدة كانوا جاهلين مثل أوليائهم، فكانوا عبيدا لأسيادهم مختارين يملكونهم، حتى على رقابهم، كأنهم خراف في يدي الجزار، ولا يرون في ذلك أقل اعتداء على حقوقهم، ولا يشعرون منه بأقل غضاضة في نفوسهم.

وليس الأمر كذلك اليوم، فإن الأمم لكثرة انتشار العلم بينها، وشدة إقبالها عليه قد ارتفعت بمستواها العقلي، فصارت حياة الأفراد والمجموع ثمينة جدا في نظر الحاكم والمحكوم معا، وصار الحاكم مقيدا بنظامات وقوانين لمصلحة الجمهور، لا يجوز له تخطيها، وصرفها لغرضه الخاص من دون أن يرتكب جناية يستحق أن يعاقب عليها.

وهنا تعرض لنا مسألة، وإن بدت أنها خارجة عن الموضوع، فإنها من المسائل الاجتماعية التي لا يجوز للإنسان أن يمر بها غير مكترث، وتحملنا على تشديد اللوم على الهيئة الاجتماعية نفسها؛ كيف أنها تصبر على أن يقوم فيها من يستبد بها، ويتحكم فيها، بدعوى امتيازات اغتصبها من يوم لم يكن للأمم أقل كلمة في تدبير شئونها، ثم صارت هذه الامتيازات له حقا مشروعا؟ وهذا منتهى العار على هذه الأمم اليوم، كأن العبودية طبع في الإنسان، وكأنه لم يخلق حرا. (قلق وتململ من جانب أكثر القضاة.)

الرئيس (للمدعي وكأنه لم يلحظ) :

أحسنت، بالغ ما شئت في هذا المعنى، نحن في جمهوريتنا لا نعرف هذه الامتيازات، ولا نجيز مثل هذه الحقوق، وأنا إذا كنت لا أستبد بقومي، فليس ذلك عفة مني، بل لأن قومي لا يدعونني أستبد بهم، وهم بذلك يحترمون أنفسهم، ويحملون سواهم على أن يحترمهم.

المدعي (مسترسلا) :

فإن هذا النظام يسلب الإنسان كل مزاياه، ويرده إلى الحيوان، وينمي فيه الأخلاق الوحشية في القوة، وكل أنواع التسفل في الضعف، ويفقده الشجاعة الأدبية، وإن اتفق وكان له حسنات، فإن له نزعات لو ساءت مرة أفسدت كل الحسنات، وشاهدنا على ذلك مجرمنا اليوم، فإنه بعد أن أورد أمته موارد النجاح - أو على الأقل لم يعترضها في ارتقائها - عاد فأودى بها في نزعة مطامع جنونية، وأوشك أن يخرب العالم معها، فإذا كان هذا شأن هذا النظام أو البقية منه مع الأمم الحية؛ فكيف به في الأمم الميتة كالأمة العثمانية، وحكامها البغاة حلفاء طاغيتنا اليوم، وأصدقاء أعدائه في الماضي؟

قلت: أصدقاء أعدائه؛ لأن هؤلاء إذا عدوا عليه ذلك ذنبا، فهل هم كانوا أبرياء؟ (أكثر القضاة يتطلعون إلى الرئيس كاحتجاج صامت.)

Unknown page