Masala Kubra
المأساة الكبرى: رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة
Genres
الإمبراطور (لقواده) :
أنتم تعلمون أنا طردنا الروس، وأوغلنا في أملاكهم، ولا يرجى أن تقوم لهم قائمة، ولو كثر عديدهم ما دام لا عدة ولا ذخيرة عندهم، ولا يرجى أن يكون لهم ذلك ما دام الدردنيل مسدودا في وجههم، وبسبب انكسار الروس زال الخوف من قيام بعض دول البلقان لنصر الأعداء علينا مهما يزينوا لها، ويغروها بالوعود الجميلة، حتى ولو غرتها هذه الوعود؛ فخوفها بعضها من بعض يمنعها من الخروج عن حيادها، واتفاقها بعضها مع بعض هو اليوم في حكم المستحيل؛ للضغائن التي زرعناها بينها بعد حرب البلقان، ومركزنا في الدردنيل أمنع من عقاب الجو بالألغام الفتاكة التي بثثناها والحصون المنيعة التي أقمناها، حيث تلقى جيوشهم الفناء، ومراكبهم التحطيم كلما احتكت بنا، ولو مهما يكلف ذلك حليفتنا الصادقة تركيا من الرجال الذين لا يهمنا من أمرهم إلا ألا ينضبوا، وهم لن ينضبوا ما دامت تركيا دولة قوية البأس شديدة المراس، وما دام رعاياها خاضعين طائعين تسوقهم إلى الحتوف كالأنعام، وهم لا يبدون، ولا يعيدون، حتى إنهم ليستقبلون الموت من يديها حامدين شاكرين من صغر نفوسهم، فمن هذه الجهات بالنا اليوم مستريح.
ومركزنا في فرنسا لا يخشى علينا منه، والنتيجة منه ليست سريعة لا علينا ولا لنا، حتى ولو عدنا أوغلنا في أراضيها، ودنونا من عاصمتها، فإن ذلك لا يجدينا نفعا كبيرا اليوم ما دامت عدوتنا الكبرى، بل عدوتنا الوحيدة، تسرح وتمرح آمنة كيدنا تنتظر نفاد قواتنا من تكرار كراتنا المفنية لنا ولأعدائنا دونها، فلا بد اليوم من تحويل كل جهدنا ضدها، وفوزنا عليها فوز على أوروبا كلها، وعلى العالم أجمع، فيجب علينا أن نأخذ أهبتنا ونعد عدتنا للزحف إلى كاليه، والوصول إليها مهما يكلفنا ذلك من الخسائر، ولو أضعفنا مركزنا في الجهات الأخرى.
كاليه! كاليه هي مفتاح إنكلترا لنا اليوم، هناك ننصب مدافعنا الهائلة التي ستدهش العالم بمداها، والتي لا تزال مخبوءة لا يعرف عنها أحد سوانا شيئا، ونستقبل بها شواطئ إنكلترا، ويعلونا حينئذ أكبر أسطول هوائي شهده الناس في الجو، ثم نطلق السبيل لأسطولنا البحري، فيخرج من ملجئه كله دفعة واحدة، ويكون لنا حينئذ معركة برية جوية بحرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ مهما نتجشم فيها من الأهوال والخسائر، فإن ذلك كله ليس شيئا بالنظر إلى النتيجة، وهي بلوغ جيوشنا العظيمة إلى البر المقابل، حينئذ نقول متهللين: «عليك يا دولة الإنكليز السلام»؛ إذ لا يعود يقف في سبيلنا حائل. نعم، لا بد لنا من ذلك ولو فني أسطولنا وفنيت جيوشنا على بكرة أبيها؛ لأنه لم يعد لنا خلاص إلا بمحاولة هذه الغزوة، حتى إذا نجحنا فيها نجحنا في كل شيء، ونلنا مرامنا من أقرب سبيل، وإلا فمصيرنا إلى الهلاك المؤكد، والانتظار اليوم لا يخدم إلا أعداءنا، فاذهبوا واجمعوا جيوشكم في الحال، وخذوا أهبتكم؛ كي تلتقوا في نقطة واحدة في الوقت المعين واخدعوا العدو؛ حتى لا ينتبه إلى خطتكم؛ فيسهل عليكم خرق صفوفه، فإذا بلغتم كاليه انتشر أسطولنا الهوائي في الجو، وأمطرنا أساطيل العدو نارا حارقة، وقضي عليه بمساعدة أسطولنا البحري وغواصاتنا المائية، وانفتح لكم الطريق لنقل جيوشكم إلى الجزيرة، وهي إذا بلغناها فمن يستطيع حينئذ أن يزحزحنا عنها؟! (يبتسم.)
حتى ولا خطب كل رجال البرلمان، وليرونا حينئذ رباطة جأشهم التي أكسبتهم إياها عزلتهم في جزيرتهم، واعتمادهم على أساطيلهم، وهل في إمكان هذه الأساطيل أن تصعد لمحاربتنا في البر؟ لا بد من سحق هذه الدولة التي بغير سحقها لم يبق لنا حياة. (يقطب.)
أنا لا أجهل ما دون ذلك من الأهوال والمخاطر، ولا أجهل كذلك نتيجة فشلنا، ولكن هل لنا مفر اليوم؟ وهل لنا حيلة أخرى؟ أنا أرغب جدا في الصلح، وقد سعيت إليه سعي المنتصر أملا بأن يكون أعدائي قد ملوا، ولذلك عززنا مراكزنا في جميع ميادين الحرب؛ لعلهم يجبنون ويلينون، ولكنهم هم لا يرغبون في الصلح اليوم، أو بالحري هي تلك متحينة الفرص، وقد لاحت الفرصة لها ثمينة سمينة، لا ترغب فيه، ولا تدع أحدا يريده، فسيروا إلى هذه الغزوة بعزم ثابت لا يتزعزع، فإما أن تفوزوا، وإما أن تبيدوا عن آخركم، وليكن إقدامكم إقدام متهوري مضاربي الأميركان في «برص» القطن والقمح. (باسما مستهزئا.)
هذه الأمة التي متى فرغنا من «جدتها» العجوز، وأردنا غزوها لم تجد لديها لمحاربتنا سوى قنابل مئات البنوط، تصعد وتنزل بها في «بورصة» واحدة متلاعبة؛ لتسلب فلس الأرمة وسحتوت المسكين، فيا إلهي ألا ترى حقارة تربية هذه الأمم المنحطة المترهلة؟ فكيف تسمح لها بأن تسود دوننا نحن الأمة الجرمانية ذات التربية العالية الحديدية التي يجب أن يدين لها العالم أجمع.
المنظر الثاني (الإمبراطور في قصره الأوتومبيلي يستطلع أنباء الحملة على كاليه.)
الإمبراطور (وحده) :
ما كنت أتوقع أن تلاقي جيوشنا كل هذه المقاومة من جيوش العدو، من كان يظن أن هؤلاء الفرنساويين الذين حسبناهم أنهم أوشكوا أن يدخلوا في خبر كان يظهرون بهذا المظهر الفخم من القوة والمناعة، فكأنهم في سنة جيشوا من الجيوش، وأعدوا من القوة ما صرفنا فيه نحن أكثر من ربع قرن، على أن قوادي يقولون إنهم متقدمون في حملتنا، وإنهم لا بد أن يصلوا عن قريب إلى كاليه، وإن جيوشنا المظفرة يقاتلون مستقتلين كالأسود الغضافر. (يدخل كبير الحرس ويستأذن للمستشار.)
Unknown page