185

============================================================

المساتا المشكلة في (ظننت) الذي أضمر بعد حرف الاستفهام بخبر (ظننت) الثاني هذا ما جرى وقلت وقت القراءة، ولفظ كتابي عنه.

فإن قال قائل: هذا الذي ذكره من تكرير (إن) قبيح، إنما يجوز في ضرورة الشعر، ألا ترى: أن اللام الجازمة جحاءت مضمرة في الشعر، فكأنه في هذا القول إنما ترك قبيحا إلى مثله.

قيل له: ليس ما تركه في القبيح منزلة ما انتقل إليه، لأن الذي تركه لا محاز له، ألا ترى: أنه لم يجئ في الكلام، ولا في الضرورة علمناه - إسقاط المبدل منه من اللفظ، وإثبات البدل، فلم يجى أيضا ضمير لا معنى له ولا متجه، والأشياء التي تحوز في الشعر للضرورة قد بحوز في الكلام عند الحاجة إليها، والوقوع فيما لا محاز له، ولا يستقبح ذلك فيه. ألا تراهم: استجازوا الضمير قبل الذكر في مثل: ضربوني، وضربت قومك، لما كان ترك الإضمار يؤدي إلى إخلاء الفعل من الفاعل، ولم يجيزوا نخو: ضرب غلامه زيدا، لما لم تكن إلى إجازة ذلك ضرورة، فصار ما كان يجوز في الشعر كقوله: جزى رئه عني عدي بن حاتم...

للضرورة مستحسنا في الكلام، وهذا نظائر.

فكذلك إضمار (إن) يكون فيما ذهب إليه مستحسنا، وإن كان إضمار الجازم انا جاء في الشعر. وبقريب من هذا أجاب أبو بكر وقد سأله سائل: عن تحويزهم الإضمار قبل الذكر في مثل: ضربوني، وضربت قومك: فقال: لما كان هنا أمران مستكرهان عندهم في الاختيار وهما: إخلاء الفعل من الفاعل، وإضماره قبل ذكره، ولم يكن إلى إخلاء الفعل من الفاعل سبيل اختير الإضمار قبل الذكر، فأضمره على أن في إضمار (إن) من المزية والحسن على إضمار اللام وسائر الجوازم، لأها قد اتسع فيها ما لم يتسع فيهن، فوليها الاسم في الكلام، كقوله عز وحل: وإن امرأة خافت [النساء: 128]، وغير ذلك مما تختص به (إن)، وليس في غيرها من الجوازم، فإضمارها أيضا أحسن من إضمار غيرها، لا سيما وقد (1) البيت لأبي الأسود الدؤلي.

Page 185