وَهُوَ طرب يُغني وَالْأَرْض مُجْدِبَة وَالنَّاس فِي ضيق وحزن فتعجب مِنْهُ ثمَّ غَابَ وَرجع فَوجدَ تِلْكَ الأَرْض مخصبة وَالنَّاس فِي سَعَة وَفَرح وَهُوَ يبكي فازداد عجبا مِنْهُ ثمَّ سَأَلَهُ عَن فرحه وَعَن حزن النَّاس وحزنه وَقت فَرَحهمْ فَقَالَ أما فرحي فِيمَا مضى فَكَانَ استبشارا بِهَذَا الخصب الَّذِي ترى وَأما حزني الْآن فلتوقع الجدب فِيمَا يَأْتِي من الزَّمَان
قلت وَمن هَذَا وَأَمْثَاله مَا يطول ذكره من الشواهد والبرهان على وحدانية إِلَه لَيْسَ لَهُ ثَان ومطابقة مَا قدمنَا من تَصْدِيق قَوْله تَعَالَى ﴿كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن﴾
وَكَذَلِكَ يشْهد على وحدانية الْإِلَه المعبود وعظيم مَا اتّصف بِهِ من الْقُدْرَة وَالْعلم وَالْفضل والجود وجود الْوُجُود على أكمل نظام وَأحسنه وأحكمه وأتقنه وَإِلَى شَيْء من الشواهد أَشرت حَيْثُ قلت فِي بعض القصائد
(لَهُ كل ذرات الْوُجُود شَوَاهِد ... على أَنه الْبَارِي الْإِلَه المصور)
(دجن الأَرْض والسبع السَّمَاوَات شادها ... وأتقنها للْعَالمين لينظروا)
(وأبدع حسن الصنع فِي ملكوتها ... وَفِي ملكوت الأَرْض كي يتفكروا)
(وأوتدها بالراسيات فَلم تمد ... وشقق أَنهَارًا بهَا تتفجر)
(وَأخرج مرعاها وَبث دوابها ... وللكل يَأْتِي مِنْهُ رزق مُقَدّر)
(من الْحبّ ثمَّ الْأَب والعشب الكلا ... ونخل وأعناب فواكه مثمر)
(فاضحت بِحسن الزهور تزهو رياضها ... وَفِي حلل نَسِيج الرّبيع تتبختر)
(وزان سَمَّاهَا بالمصابيح أَصبَحت ... وأمست تباهي الْحسن تزهو وتزهر)
(ترَاهَا إِذا جن الدجا قد تقلدت ... قلائد دري لدر تحقر)
(فيا نَاظرا زهر الْبَسَاتِين دونهَا ... أَظُنك أعمى لَيْسَ لِلْحسنِ تبصر)
1 / 50