وجعلت أختلس إليه النظرات متسائلا، ترى هل يثب إلى العدوان إذا تهيأت أسبابه؟ إلى أي مدى تغير حقا؟ وكيف ينظر اليوم إلى ماضيه؟ وبأي صورة يتصور أمام أبنائه؟ وهل يطيق أن يعيد أحد أبنائه سيرته؟ وألا يعتبر ثلاثة مهندسين وطبيب كفارة عن أي ماض أسود؟ وأي الحلين كان أفضل، أينجو من القانون رغم جرائمه ليهدي للوطن أربعة من العلماء أم كان يقبض عليه لتستقر العدالة فوق عرشها؟! وتذكرت قول الأستاذ زهير كامل: «بت أعتقد أن الناس أوغاد لا أخلاق لهم، وأنه من الخير لهم أن يعترفوا بذلك، وأن يقيموا حياتهم المشتركة على دعامة من ذلك الاعتراف، وعلى ذلك تصبح المشكلة الأخلاقية الجديدة هي: كيف نكفل الصالح العام والسعادة البشرية في مجتمع من الأوغاد؟»
درية سالم
- اسمحي لي أن أحييك.
فارتسم ظل ابتسامة على شفتيها فقلت متشجعا: غير معقول ألا نتبادل تحية بعد ما كان.
فخرجت عن صمتها قائلة: بعد ما كان؟ - بعد ما كان من عشرة طويلة بين أعيننا.
فضحكت ببراءة وقالت: نقبل التحية. - هذه هي الخطوة الأولى. - هل توجد خطوات أخرى؟
كانت تجيء بأبناء ثلاثة إلى المنتزه، فيستحم ثلاثتهم في البحر على حين تجلس هي منفردة في الكازينو تراقبهم من النافذة، لفت نظري إليها وجه بشوش، وجسم فوار بالنضج الأنثوي. وعشقت في عينيها نظرة ودودا كأنما خلقت للاستقبال والترحيب. وسرعان ما شعرت بأن ثمة دعوة رقيقة تطالعني كالزهرة الناعمة وأن تجاهلها فوق طاقة البشر. وتبادلنا كلمات عابرة فاتفقنا على موعد في حديقة البجعة.
وآمنت وأنا في الطريق إليها بأنها امرأة من نوع خاص، فلعلها أرملة أو مطلقة. ولكنها قالت لي ببساطة: أنا متزوجة!
فقلت مأخوذا: ولكنني أراك دائما منفردة. - هو في بعثة قصيرة تنتهي هذا العام 1960.
فوجمت فسألتني ضاحكة: أتخاف من النساء المتزوجات؟ - إني أفكر ...
Unknown page