(الحركة المكانية والانتقال فى الكمية وفى الوضع وفى الكيفية): أما المكان فلا يتصور منه الانتقال دفعة إذ المكان قابل للانقسام والجسم كذلك فانما يفارق مكانه جزءا بعد جزء ويتقدم البعض منه على البعض* لا يتصور إلا كذلك ففى الكون فى المكان حركة وكذا في الوضع وهو الانتقال من الجلوس إلى الاضطجاع وكذا الانتقال من الكمية بأن يكبر الشىء أو يصغر وكأن كل واحدة من حركة الوضع والكمية أيضا لا يخلو عن الحركة المكانية* وأما الكيفية فيجوز فيها الانتقال دفعة كما لو اسود دفعة ويجوز فيه الحركة وذلك بأن يسود تدريجا* وأما الانتقال فى الجوهر فلا يتصور فيه الحركة فالماء يستحيل هواء دفعة والنطفة تستحيل إنسانا دفعة *وبرهانه أنه إذا ابتدأ فى التغير فلا يخلو إما أن يبقى النوع الذى كان أو لم يبق فان بقى فهو بعد غير زائل عما كان عليه إذ هو إنسان مثلا ولا يتصور تفاوت فى الجوهر فلا يكون إنسان اشد إنسانية من آخر بخلاف السواد وإن زال النوع بالكلية فهو زائل بالكلية فاذا الجوهرية تغيرت بها عن النوعية والاستحالة من النوع مزيلة للنوع فان كان النوع باقيا كانت الاستحالة فى العرض لا فى الفصل والجنس أعنى أنه لا فى الحد والحقيقة* والحركة المستديرة حركة فى الوضع لا فى المكان لأنها لا تفارق المكان بل تدور فى مكان نفسها والسماء الأقصى ليس له مكان كما سيأتى وهى متحركة* وأما الكمية فيتصور فيها حركتان.
(إحداهما): بالغذاء وهو النمو والذبول.
(والأخرى): بغير عذاء وهو التخلخل والتكاثف والنمو بالغذاء هو أن يستمد الجسم المغتذى من جسم آخر قريب منه بالقوة فيتشبه به بالفعل وينمو به الجسم إلى تمام النشو* والذبول هو أن ينقص الجسم لا بسبب تخلخل أجزائه بل بسبب فقد غذاء يسد مسد ما يتحلل منه وإنما يحتاج إلى الغذاء جسم يتحلل منه على الدوام شىء بسبب احتفاف الهواء المحيط به لرطوبته وبسبب إذابة الحرارة الغريزية إياه فيكون الغذاء جابرا لما يتحلل منه دائما* وأما التخلخل فهو أن يتحرك الجسم إلى الزيادة من غير مدد من خارج ولكن يكبر فى نفسه من غير أن يقبل شيئا من خارج بأن يقبل مقدارا أكثر من مقداره الأول كالماء يسخن فيكبر فاذا سد رأس الاناء لم يتسع له فينكسر وكالطعام فى البطن ينتفخ ويتبخر فيعظم مقداره فيكبر البطن بسببه منتفخا وإذا بان أن الهيولى ليس لها مقدار بذاتها وأن المقدار عرضى لها لم يكن بعض المقادير أولى بها من بعض حتى يتعين لها قبول مقدار مخصوص بل لا يستحيل أن تقبل أقل وأكثر وإن لم يكن ذلك جزافا وكيف كان ولا إلى حد معلوم* وأما التكاثف فهو حركة إلى النقصان لقبول مقدار أصغر من غير إبانة شىء منه كالماء إذا جمد صار أصغر.
(قسمة ثانية للحركة باعتبار سببها) الحركة تنقسم إلى ما هو بالعرض وبالقسر وبالطبع فالتى بالعرض هو أن يكون الجسم فى جسم آخر فيتحرك الجسم المحيط ويحصل فى الجسم المحاط حركة بمعنى أنه ينتقل من مكانه العام دون الخاص كالكوز الذى فيه ماء إذا نقل فان الماء فى مكانه الخاص وهو الكوز لم ينتقل ولكن لما انتقل الكوز من بيت إلى بيت صار الماء أيضا منتقلا من بيت إلى بيت والمكان الخاص للماء هو الكوز دون البيت فحركة الماء بالحقيقة هو أن يخرج من الكوز* وأما القسرى فهو أن يترك مكانه الخاص ولكن بسبب خارج من ذاته كانتقال السهم بالقوس وانتقال الشىء بما يجذبه أو يدفعه كما ينتقل الحجر إلى فوق إذا رمى إلى فوق* وأما الطبعى فهو أن يكون له من ذاته كحركة الحجر إلى أسفل والنار إلى فوق وكتبرد الماء طبعا إذا سخن قسرا وهذا لأن الجسم إذا تحرك فلا بد له من سبب وسببه إن كان خارجا من ذاته سمى قسرا وإن لم يكن خارجا من ذاته سمى طبعا ولا شك فى أنه لا يتحرك من ذاته لكونه جسما إذ لو كان كذلك لكان متحركا دائما ولكان لكل جسم على وجه واحد بل لمعنى يزيد عليه يسمى ذلك المعنى طبيعة ثم ينقسم إلى ما يكون بغير إرادة كحركة الحجر إلى أسفل فيخص باسم الطبع إن اتحد نوعه وإن تحرك إلى جهات مختلفة يسمى نفسا نباتيا كحركة النبات وإن كان مع إرادة وكان فى جهات مختلفة يسمى نفسا حيوانيا وإن كانت الجهة متحدة كحركة الفلك يسمى نفسا ملكيا أو فلكيا فان قيل فلم قلتم بأن حركة الحجر والنار طبيعى فلعل الحجر يدفعه الهواء إلى أسفل أو تجذبه الأرض إلى نفسها والزق المملوء هواء فى الماء إنما يصعد لأن الهواء يجذبه أو لأن الماء يدفعه فيقال برهان بطلان ذلك إنه لو كان كذلك لكان الصغير أسرع حركة من الكبير فان جذب الصغير ودفعه أيسر والأمر بضد هذا فدل أنه من ذاته والا لما اشتد لكبر ذاته وضعف بصغر ذاته.
(قسمة ثالثة للحركة) الحركة تنقسم إلى مستديرة كحركة الأفلاك وإلى مستقيمة كحركة العناصر والمستقيمة تنقسم إلى ما هو إلى المحيط عن الوسط ويسمى خفة وإلى ما هو إلى الوسط ويسمى ثقلا وكل واحد ينقسم إلى ما هو إلى الغاية كحركة النار إلى المحيط والأرض إلى المركز وإلى ما هو دونه كحركة الهواء من الماء إلى ما فوقه وكحركة الماء من الهواء إلى ما فوق الأرض فالحركة باعتبار الوسط ثلاث حركات حركة على الوسط وهى الدورية* وحركة عن الوسط* وحركة إلى الوسط.
(القول فى المكان): القول في المكان طويل ووجيزه أن له بالاتفاق أربع خواص.
(أحدها): أن الجسم ينتقل منه إلى مكان آخر ويستقر الساكن فى أحدهما.
(والثانى): أن الواحد منه لا يجتمع فيه اثنان فلا يدخل الخل فى الكوز ما لم يخرج الماء ولا يدخل الماء ما لم يخرج الهواء.
(والثالث): أن فوق وتحت إنما يكونان فى المكان لا غير.
(والرابع): أن الجسم يقال أنه فيه فبهذا غلط من ظن أن المكان هو الهيولى لكون الهيولى قابلا لشىء بعد شىء كما أن المكان كذلك وهو خطأ لأن الهيولى هو قابل للصورة والمكان عبارة عما يقبل الجسم لا الصورة وظن فريق أنه الصورة لأن الجسم يكون فى صورة غير مفارقة له وهو غلط لأن الصورة لا تفارق عند الحركة وكذا الهيولى والمكان يفارق بالحركة وقال فريق مكان الجسم هو مقدار البعد الذى بين طرفى الجسم فمكان الماء هو الذى بين طرفى مقعر الكوز وهو الذى يشغله الماء ثم اختلف هؤلاء* فقال فريق يستحيل تقدير هذا البعد خاليا بل لا يكون الاملاء* وقال أصحاب الخلاء يجوز أن يفرغ هذا البعد عن جسم يملؤه فأثبتوا خلاء وراء سطح العالم لا نهاية له وأنبتوا فى داخل العالم خلاء أيضا ولا بد من إبطال تقدير إمكان الخلاء.
Unknown page