إن كل ما يزيد وجداننا؛ أي: إحساسنا بالوجود، أي: كل ما يجعل وجودنا أوجد، تعمقا وتوسعا، هو زيادة في السعادة وفهم للفلسفة، والعلم يزيد وجداننا وينقلنا إلى آفاق لم نكن نعرفها.
ثم هو، أي: العلم، يزيد حرياتنا؛ لأنه يقشع عن عقولنا ظلام الجهل، ويفك قيود الخرافات، بل هو يعد في عصرنا أعظم القوى المحررة من الخوف والفقر والمرض والجهل.
ولو أن أديبا عظيما مثل الجاحظ كان يعيش في عصرنا لكان قد كرس حياته لدرس العلم؛ لأنه يفطن إلى ما فيه من القوى التحريرية للعقل البشري، بل هو عرف قيمة العلم في الأمداء التي كان قد بلغها في أيامه.
ومع ذلك إذا كان الأديب الذي عاش قبل ألف سنة يعذر في تجاهله العلم، فأن الأديب العصري لا يمكن أن يعذر في هذا التجاهل الذي قد يجعل منه غاويا بدلا من أن يكون مرشدا.
العرب والعلم والصناعة
كان علاء الدين ابن النفيس طبيبا عربيا عاش فيما بين 1208 و1288 وكان من أعظم ما كتبه الكلمات التالية:
لو خلط بالدم ... وهذا التجويف هو التجويف هو التجويف الأيمن من تجويفي القلب ... وإذا لطف الدم في هذا التجويف الأيسر، حيث تتولد الروح، ولكن ليس بينهما منفذ، فإن جرم القلب هناك مصمت ليس فيه منفذ ظاهر كما ظنه جماعة، ولا منفذ غير ظاهر كما ظنه جالينوس، فإن مسام القلب هناك مستحصفة (متينة)، وجرمه غليظ، فلا بد أن يكون هذا الدم إذا لطف، نفذ في الوريد الشرياني إلى الرئة لينبث في جرمها ويخالط الهواء ويتصفى ألطف ما فيه إلى الشريان الوريدي ليوصله إلى التجويف الأيسر من تجويفى القلب ...
ونرى من هذه الكلمات أن ابن النفيس قد فهم قيمة الدورة الدموية في الرئتين، وأنه كان على وشك أن يفهم الدورة الدموية العامة في الجسم، كما فعل هارفي بعد ذلك حوالي 1650 ميلادية.
والكتاب الذي نقلت منه هذه الكلمات هو مخطوط بدار الكتب بالقاهرة، رقم 123 طب، باسم فصول مختارة من شرح وتشريح ابن سينا، تأليف: علاء الدين المعروف بابن النفيس.
والقارئ إذا كان على شيء من الفهم البيولوجي أو الطبي، يدرك خطورة هذا الكلام الذي سطره ابن النفيس، وهو كلام علمي، وتفكير علمي، يقومان على المشاهدة، ولكن أي مشاهدة؟
Unknown page