فلو رجعنا إلى الصفحات الأولى من كتاب «الأسس»، لقرأنا فيها تحت عنوان «الاصطلاح
convention » السطور الآتية: لنتصور ثلاث مجموعات مختلفة من الكائنات، ونقسم كائنات المجموعة الأولى نقطا، ونشير إليها بالحروف أ، ب، ج ... وكائنات المجموعة الثانية «مستقيمات»، ونشير إليها بالحروف أ، ب، ج. وكائنات المجموعة الثالثة سطوحا ونشير إليها بالحروف أ
8 ، ب
8 ، ج
8 .
وبعد هذه التسميات الشكلية الخالصة، يبين «هلبرت» البديهيات التي تحدد علاقة هذه الكيانات. ولنذكر منها اثنتين على سبيل المثال. فلكي نقول إن النقطتين تحدان مستقيما، نكتب الآتي:
أ ب = أ. ولكي نقول إن ثلاث نقط ليست على استقامة واحدة تحدد مسطحا، نكتب ما يلي أ ب ج = أ
8 .
وإذن فها نحن أولاء تجاه نوع من الشكلية المفرطة. فإذا تذكرنا أن مجموعة البديهات تتألف من افتراضات ليس من الضروري أن تكون متفقة مع بداهات مطلقة، أو مع تجارب العالم المحسوس، وإذا لاحظنا أن «هلبرت» قد أدخل الكيانات الرياضية تحت صفة «الاصطلاح»، فهمنا عبارة «برتراند رسل» التي يلجأ إليها الكثيرون في المناقشات الفلسفية، دون أن يدركوا أحيانا أهميتها على وجه الدقة: «إن الرياضيات علم لا يعلم المرء فيه أبدا عم يتكلم (إشارة إلى الشكلية المحضة) ولا يعلم إذا كان ما يتكلم عنه صحيحا.» (إشارة إلى الاصطلاحات المبدئية، التي يعلن المرء فيها صلاحية بعض القضايا والمفاهيم ، دون إشارة إلى بداهة عقلية أو إلى خبرة تجريبية).
والواقع أن هذه الشكلية، التي تغض الطرف عن الطبيعة الحسية المحددة للموضوعات الرياضية، لا يمكن أن تنمو إلا في جو من المعاني الدقيقة المجردة، ومن الطبيعي أن تعجز عن وصف النشأة التاريخية للعلم الرياضي. وهي لا تظهر إلا في تفكير نظري في العلم بعد تكوينه، غير أن المرء لو أغفل الجهد الضخم الذي بذله الرياضيون المعاصرون من أجل بناء علمهم وتنميته بأكبر قدر من الدقة، لكان في ذلك تجاهل لصفة من أبرز صفات الرياضة المعاصرة.
Unknown page