يقول «كانت» بنتيجة ثانية للحتمية، هي نفي الصدفة.
14
والحق أن فكرة الصدفة أو الاتفاق معقدة محيرة، لأن لكلمة الاتفاق عدة معان متباينة، نستبقي منها معنيين: (1)
غياب القصد المدبر (كالصدفة الناتجة عن عدم وجود غاية). (2)
غياب السابقة المحددة (كالصدفة الناتجة عن عدم وجود علة). (1)
فعندما نقول إن صديقين تقابلا اتفاقا، أو إن قالبا سقط من حائط فقتل بالصدفة شخصا مارا، نعني بذلك أن المقابلة تبدو مقصودة ما دامت قد وصلت إلى نقطة التقى فيها الاثنان، وأن سقوط الحجر يبدو منطويا على قصد القتل، لشدة ما يبدو لنا أنه قد قصد المار المشار إليه بالذات. ولكنا نعلم أن الأمر في الواقع بخلاف ذلك، فما يبدو قصدا مدبرا، لا يطابق أية حقيقة واقعية. فليس ثمة قوة إلهية هيأت المقابلة، أو وجهت الحجر، وليس للعلم أن ينكر الصدفة بهذا المعنى، إذ إن الصدفة لا تكون عندئذ شيئا على الإطلاق. الكلمة هنا تعني أنه ليس هناك شيء، وأنه ليس ثمة أي قصد يبحث عنه. (2)
ولكن كلمة الصدفة يصبح لها، في التعبير القائل «لعبة الصدفة أو الحظ» معنى مخالف للسابق كل الاختلاف، وأعمق منه كل العمق. فلاعب الورق مثلا «يفنط» أوراق اللعب ويوزعها، وقاذف العجلة يلقي بها، ولكن ليس هناك صلة بين هذه الحركات وبين توزيع الأوراق، أو بين ظهور الرقم الرابح؛ فاللاعب لم يوزع الأوراق بإرادته، وقاذف العجلة لا يستطيع شيئا حيال الرقم الرابح، فهاتان النتيجتان غير محددتين.
وفي هذه المرة، ينكر العلم الصدفة. فكل حركة من حركات لاعب الورق أو قاذف العجلة لها، في الواقع، دور فعال في توزيع الأوراق أو ظهور الرقم، والنتيجة محددة «ومحتومة». وكل ما في الأمر أن تركيب المربعات التي تحمل الأرقام، والطريقة التي يصنع بها الورق، والتي ينبغي أن توزع بها، من شأنها ألا تمكن اللاعبين أو القاذف من التحكم في حركاته، أو من معرفة ما سوف تأتي به.
الصدفة في رأي كورنو
Cournot :
Unknown page