Minime ، وكان مرسين صديقا لديكارت .
على أنه لم يكن في متناول يد مرسين، لإثبات ذلك القانون، أية وسيلة لإحصاء المتوسط لذبذبات التردد التي يناظرها مثلا صوت «لا»، والذي يحدث عن 435 ذبذبة في الثانية، وغاية ما كان يستطيع أن يفعله هو أن يحصي ما بين 8، 10 ذبذبات في الثانية، ومثل هذا التردد لا يحدث صوتا، ولكن ما يعجز عنه السمع، يقدر عليه الإبصار، وعلى ذلك فقد بدأ يجربه بوتر منفرد طوله 17,5 قدما (حوالي 570سم) مصنوع من أمعاء الخروف وشد هذا الوتر بأوزان تتراوح ما بين 2/1 رطل و4 أرطال، ولم يكن هذا الوتر المنفرد يحدث أي صوت، ولكن كان من الممكن حساب ذبذباته، وهكذا كشف قانونه بإحصاء هذه الذبذبات، وبالبحث عن كيفية تفاوت عددها عندما يقل الطول ويتغير الثقل الذي يشد الوتر، وقد بلغ من ثقته بالنتيجة التي وصل إليها على هذا النحو أنه حدد بواسطة قفزة عقلية تخرج عن حدود التجربة (وذلك ما يسميه بتجاوز نطاق التجربة
extrapolation ) التردد المناظر لما يسمى «بنغمة الكنيسة» أي النغمة التي يرجع إليها المغنون الذين تصدر عنهم، في قداس الكنيسة، أكثر الأنغام انخفاضا (وهذه النغمة تصدر عن أنبوبة للأرغن ذات طول معلوم).
وهكذا نرى أن كشف القوانين يتطلب ثقة مطلقة في معقولية الطبيعة، وفي إخلاصها للقوانين، وفي خضوعها للرياضيات بمعنى ما، ولا شك أنه ليس للمرء أن يؤمن بأن الطبيعة ستظل مخلصة للقانون الذي توصل إليه. فقد يكون هذا قانونا غير صحيح، ولكن يظل المرء على ثقة من أن هناك قانونا، وأن لهذا القانون صورة رياضية.
هذا إلى أن مجرد الملاحظة العلمية التي تحول الظاهرة إلى رقم تفترض مثل هذه الثقة ضمنا. وإذن فكشف القوانين يفترض مبدأ صاغه الميتافيزيقيون بصيغ مختلفة، بدأ معظمها في صورة مجازية، ومن قبيل ذلك قول أفلاطون: «إن الله يسلك دائما سلوك عالم الهندسة» وقول ليبنتز: من حساب الله صنع العالم
Dum Deus calculat fit mundus . (8) المرحلة الثالثة: التحقق من صدق القوانين أو التجريب، اختبار الفكرة بواسطة الوقائع
وإذن فليست هي التأكد من وجود قانون؛ بل التأكد من أن القانون هو ذلك الذي كشف. والتحقق هو ملاحظة الوقائع التي أحدثها المرء أو تنبأ بها، والتي حدد صورتها سلفا بطريقة رياضية، بناء على القانون الذي اهتدى إليه، ونقول: أحدثها أو تنبأ بها، إذ إن من الممكن، من حيث المبدأ، أن نخلق الوقائع وأن نركبها تركيبا تاما في أجزاء معينة من علم الطبيعة بمعناها الخاص، وفي الكيمياء. أما في العلوم الأخرى، كعلم الفلك، فليس ذلك الخلق ممكنا، وعندئذ يقتصر المرء على التنبؤ بها. (1)
ومبدأ التحقيق ليس عسيرا في علم الطبيعة الرياضية، ما دامت نتائج القانون الذي نهتدي إليه تنطوي ضمنا على صور جميع الوقائع التي نريدها، وتكفي عملية حسابية لتحديدها.
ولكن يجب أن تكون النتيجة قابلة للتحقق من صحتها، ومتفقة مع الإمكانيات المادية للمعمل أو المرصد. (2)
ينبغي أن تنطبق الشروط الفنية العملية للملاحظة على مشاهدة الواقعة التي سوف نحدثها، وهذه مسألة ينطبق عليها ما قلناه عن الواقعة العلمية في الفقرة السادسة من هذا الفصل. (3)
Unknown page