ولكن ما كاد العلماء ينفضون الغبار عن دروج هذه المكتبة ويبدءون بقراءة نصوصها، ويطلعون على تراث اليهود الذين عاصروا السيد والرسل، حتى أطلق بعض المتسرعين العنان لأنفسهم، فركبوا سجية رءوسهم واختاروا لأنفسهم ما وافق فلسفتهم المادية أو ما طلبوا من شهرة مستعجلة. فقالوا: «إنه كان لأصحاب هذه الدروج «معلم صالح»، وإن هذا المعلم قاسى الصلب، ومات وقام من بين الأموات، وإنه ليس من جديد في سيرة المسيح»! وتاه مع هؤلاء في شعاب الباطل بعض التجار من رجال الصحف والنشر، فزينوا وزوقوا ابتغاء البيع والربح، وافتروا على علماء الكنيسة، واتهموهم بالجبن والخوف، وقالوا: إن بضاعة هؤلاء كالثياب المتداعية، كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر! ولكن العلماء من رجال الكنيسة، ولا سيما آباء مدرسة علوم الكتاب في المدينة المقدسة، لم يعبئوا بشيء من هذا، بل شمروا عن ساعد الجد، واشتركوا في أعمال الكشف وفي إثبات النصوص المكشوفة واثقين جريئين.
وتكاثرت الكتب والمصنفات في موضوع دروج البحر الميت، حتى بلغت في عشر سنوات (1948-1958) ثلاثة آلاف أو أكثر، وظهرت في جميع لغات الغرب، ولكن شيئا من نوعها لم يظهر بالعربية قبل السنة 1957. ومع أننا لا ننكر على القس جايمس ولبي والسيد إبراهيم مطر والدكتور أنيس فريحة فضلهم في الكراس الذي نشروه في هذه السنة عينها عن «مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران»، فإننا لم نجد فيه ما يروي ظمأ المؤمن والعالم في آن واحد.
وكان صديقنا العلامة الأب جورج فاخوري البولسي، مدير مجلة «المسرة» يرقب هذا الأمر نفسه، فلا يغفله طرفة عين ويحصي على رجال الإلحاد أنفاسهم ويتتبع عثراتهم، فشجعنا على كتابة هذه الرسالة، وتبرع بنشرها هدية لقراء المسرة، فشكرنا له وللرهبانية البولسية يقظتهم، واشتركنا معهم في ذكر يوستينوس الفيلسوف الشهيد ممجدين معه، بعد ألف وثمانمائة سنة، المسيح الذي لا يموت ملكنا وإلهنا، مؤكدين أن تريفون وأعقابه اليوم كانوا ولا يزالون على ضلال مبين.
بيروت، في عيد القديس يوحنا الدمشقي
4 من كانون الأول 1959
أسد رستم
فريق من العلماء من رجال الدين والدنيا اجتمعوا من بلدان متعددة للبحث في مخطوطات وادي القمران (في متحف القدس).
منظر عام للخرائب يرى بعدها البحر الميت ثم جبال مؤاب.
الفصل الأول
الاستكشاف والكشف
Unknown page