Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Genres
المسألة الثالثة والأربعون [ هل العرش والكرسي متباينان أم
متماثلان؟ ]
قال تولى الله هدايته: إن الله سبحانه [نبأنا] في كتابه العزيز بأن له عرشا وكرسيا بقوله: ?وسع كرسيه السماوات?[البقرة:255]، وقوله : ?ويحمل عرش ربك?[الحاقة:17]، فهل العرش هو الكرسي؟ فتكون الأسماء على واحد كالصارم والحسام أو ذاتان، وإن كانا ذاتين فهل هما متماثلان؟ أو متباينان على الإطلاق أو متماثلان من وجه ومتباينان بآخر؟ وما الذي به تماثلا؟ وما الذي به تباينا؟.
الجواب: اعلم أن أهل العلم اختلفوا في معنى العرش والكرسي، فمنهم من قال: العرش ملكه تعالى، والكرسي علمه، وهؤلاء جروا على أصل اللغة، وما فسروهما به شائع في اللغة شياعا يغني عن الاستشهاد، ويكون قوله: ?ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية?[الحاقة:17] معناه يقوم بتدبير الملك ويتولى حساب الخلائق في موقف العرض الذي لا حكم فيه لغيره، فيكون الحمل هاهنا مجازا كما يقال: فلان يحمل ملك فلان إذا كان يلي تدبيره، ويتولى سياسته، ويقوم بصلاحه، ويتحمل أثقاله؛ والثمانية يراد بهم الملائكة عليهم السلام ويحتمل أن ثمانية أشخاص، ويحتمل أن يكون ثمانية آلاف أو ثمانية أصناف ولا مانع من ذلك، ويكون تورية الله لهم ذلك من جملة ثوابهم لما يدخل عليهم في ذلك من السرور والجذل والحبور، ولا تلحقهم سآمة، ولا يرهقهم ملل، وكيف ذلك وقد خصهم بكرامته.
ألا ترى أن كثيرا من الناس إذا تولى شيئا من أمر السلطان يجد حالا ومزية يستصغر عندها بذل ماله وروحه لما يجد من محبة الزلفة ولذة الكرامة، فكيف بمن لا يشبه ملوكه البشر تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا.
Page 281