Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Genres
ولو كان الكلام قديما لم يتعين المعبود وكان الإله أكثر من الواحد الموجود، ولو كان قديما لم يكن بكونه كلاما أولى منه بكونه إله آخر تعالى عما يشركون، ودلالة نفي الثاني مانعة من وجود أكثر من قديم، فكيف يقال بوجود قديم سواه ?لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا?[الأنبياء:22] فبان أنما ذكره إنما يلزم على المسامحة، وهو أن يكون الباري تعالى عن ذلك غائبا بخطابه بغير موجود، وإلا فيلزمهم ما هو أعظم من ذلك عند الله، وهو أن يكون الكلام إلها ثانيا، وربا متعاليا، إذا حققوا قدمه، وقالوا: لا أول لوجوده، وذلك يخرجه عن كونه كلاما، فأما نحن فنذهب إلى أن الله تعالى لما اصطفى موسى للرسالة واجتباه بالنبوة وتلاح له بالنور من جانب الطور الأيمن في البقعة المباركة، وأوفض إليه موسى منصدا بالاقتباس جذوة أو شهاب، كما ذكر سبحانه في الكتاب، فلما جزع الوادي المقدس أحدث القديم تعالى في الشجرة كلاما أفهم به كليمه مراده إفهاما، وأورثه ذلك في الآخرين تبجيلا وإكراما، وتشريفا وإعظاما، فخلع النعلين، وألقى العصا، وأخرج اليد من غير سوء بيضاء، فسار إلى فرعون وملائه بتسع آيات بينات، فصار كليم الله من بين النبيين سلام الله عليهم أجمعين إذ أسمعه كلاما لا بواسطة حي سواه، في أول ما أرسله واجتباه، وقربه وناجاه، وسائر الرسل كرم الله وجوههم، وأعلى في دار كرامته منازلهم، كان الكلام ينتهي إليهم تنزيلا على لسان الروح الأمين - صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه الملائكة المقربين- فكانت تلك فضيلة خص الله بها موسى صلى الله عليه وهو بها جدير وذلك فضل يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم الكبير.
Page 279