وسموه أيضا بمجمع البحرين؛ لأنه يجتمع في بحر الوجوب والإمكان، وتجتمع فيه الأسماء الإلهية والحقائق الكونية إلخ ... فكم من القرب بين تعاليم الصوفية وتعاليم الشيعة في هذا الباب، وكذلك بين تعاليم الصوفية وتعاليم المهدوية.
وقد عقد ابن خلدون فصلا قيما في المهدي والمهدوية، ذكر فيه الأحداث التي وردت في المهدي مثل ما رواه جابر، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب»، ومثل ما رواه الترمذي عن النبي
صلى الله عليه وسلم : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»، ومثل حديث عن علي عن النبي قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي، يملؤها عدلا كما ملئت جورا»، ومثل ما رواه الحاكم عن أم سلمة قالت: «سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يذكر المهدي ويقول: هو حق وهو من بني فاطمة»، وعن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، إلخ ... »، وقد ضعف ابن خلدون أسانيد هذه الأحاديث، وروى حكايات عن جماعات كثيرة، قالوا: بدعوة المهدية وأن أكثرهم فشل في دعوته فقتل أو هرب، ثم ذكر علاقة فكرة المهدي بالمتصوفة، فقال: «إن المتقدمين منهم لم يكونوا يخوضون في شيء من هذا، وإنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال ثم كان كلام الإمامية من الشيعة في تفضيل علي والقول بإمامته وادعاء الوصية له، ثم حدث بعد ذلك القول بالإمام المعصوم، وجاء آخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بواسطة التناسخ، وآخرون يدعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول، فتسرب هذا إلى الصوفية فقالوا: بالقطب وقالوا: بالحلول كالذي كان من الحلاج وأشباهه، ويقول: إن المتصوفة الذين عاصروا ابن خلدون أكثرهم يشيرون إلى ظهور رجل مجدد لأحكام الملة ومراسم الحق، ويتحينون ظهوره ...
ومن رأي ابن خلدون أن من نجح من دعاة المهدية يرجع نجاحه لا إلى أسباب دينية، وتنبؤات ونحو ذلك، وإنما يرجع على أن له عصبية قوية تحميه وتدافع عنه، كالذي حدث للفاطميين والقرامطة وغيرهم.
وأما من فشل منهم ففشله يعود إلى ضعف عصبيته؛ ولذلك كان منهم من قتل ومنهم من هرب وذلك وفاقا لنظرية ابن خلدون التي أثبتها في محل آخر، وهو أن الملك لا يقوم إلا على أساس من العصبية، وعلى هذا قامت دولة بني أمية لتعصب الأمويين لها، وقامت دولة العباس لتعصب الخراسانيين لها، وهذا هو السر في الحديث المأثور: «الأئمة من قريش»، والسر في ذلك عصبية القرشيين لهم؛ ولذلك تدور العلة مع المعلول فإذا كانت هناك عصبية أقوى من عصبية قريش، فصاحبها أولى كالجنود الأتراك الذين كانوا يتعصبون للمعتصم، ونحو ذلك من الجنود المصطنعة، فالمهدية أيضا قامت على أساس هذه العصبية، وقد قواها إلصاق المهدية بالدين، والناس للدين أكثر انقيادا.
وقد قرأت رسالة للأستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الرد على ابن خلدون سماها «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون»، وقد فند كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهدي، وأثبت صحة الأحاديث وقال: إنها بلغت حد التواتر، ونقل أحاديث أخرى لم يذكرها ابن خلدون، وكان من رده عليه، أن ابن خلدون قال: إنه لم يخلص من هذه الأحاديث التي وردت في المهدي إلا القليل أو الأقل منه، فسأله في صراحة وماذا تصنع بذلك القليل، هل يؤمن بالقليل إلا إذا اشتهر أو تواتر؟ كلا لا يمكن ذلك؛ لأنه لا يرى هذا الرأي ولا رآه أحد قبله ولا بعده، ثم نقده أيضا في أنه احتج في مواضع أخرى من تاريخه بأحاديث أفراد ليس لها إلا مخرج واحد، وفي ذلك المخرج مقال، أتراه إذا وافق الحديث هواه قبله ولو كان حديث آحاد، وإذا لم يوافق هواه لم يقبله لو كان صحيحا؟؟ ثم رد عليه في دعواه نسبة رأي بعض الصوفية في الحلول، وأنها مستقاة من الشيعة بأن هذا غير صحيح وأن ابن خلدون لم يفهم معنى الحلول، ثم قال: أنه يؤمن بأحاديث المهدي لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وأن ابن خلدون مبتدع والمبتدعة أقسام، منهم من كفر ببدعته كالمجسم، ومنكر علم الله للجزئيات، ومنهم من لا يكفر ببدعته وهو من ابتدع شيئا دون ذلك وربما عدا ابن خلدون من هذا القبيل، وقد أطال في ذلك وخالف ابن خلدون في دعواه الكذب أو الضعف في كل من روى عنه ابن خلدون، وروى عن جماعة من أهل العلم، قالوا شعرا في المهدي يثبتون وجوده، مثل:
Unknown page