صار اليقين من العيان توهما
فهي من نوع غير معروف عند الشعراء الآخرين.
وهذا يفسر أيضا هلوسة المتنبي في دعواه النبوة، ومن أجل ذلك سمي بالمتنبي، وطموحه طول عمره إلى أن ينال ولاية أو ملكا، وغضبه على كافور إذ لم ينله ولاية، ونظن أنه لو نالها لقرمطها وقلبها ولاية شيعية حسب تعاليمه، ونرى ديوانه مملوءا بالقوة والدعوة إلى الثورة والاعتداد بالشجاعة، وهذا هو السبب في أنه فضل سيف الدولة ابن حمدان على كافور الإخشيدي؛ لأن الأول بطل في الحروب الداخلية مع الأعراب والخارجية مع الصليبيين، بل كان المتنبي نفسه يخرج مع سيف الدولة محاربا، وأما كافور الإخشيدي فقد عرف السياسة والمكر والدهاء لا بالفتك في الحروب؛ ولذلك أيضا كان أحب شخص إليه لما جاء مصر فاتكا الرومي لشجاعته النادرة، حتى سموه مجنونا، وقد بكى عليه كثيرا ورثاه في ديوانه في ثلاث قصائد مما لم يفعل مع غيره، وقد أعلى شأنه بمقدار ما حط من شأن كافور، ويستطيع القارئ الدقيق لديوانه بعد هذه النظرة أن يرى فيه تشيعا كثيرا وقرمطة كثيرة مثل:
يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلها الله كيف ترشدها
ليس يحيق الملام في همم
أقربها منك عنك أبعدها
إلى غير ذلك، كما يفسر أيضا نقمته على العالم العربي وحكمه بغير عربي، ولعل متمناه أن يكون عربيا شيعيا يطبق تعاليم القرامطة، وأنه يبكي الشام ويبكي مصر ويبكي سوء النظام الاجتماعي الشامل ويطمح إلى تغييره، إلى كثير من أمثال ذلك، فكل هذا الاضطراب والحيرة والبكاء والعويل والنقمة من المتنبي على المعاصرين من غير الشيعية أثر قرمطي واضح، وساعده على ذلك خدمته الطويلة لسيف الدولة الشيعي أيضا المتصل اتصالا وثيقا بالشيعيين ومذهبهم.
الحشاشون
ومن هذه الفرق التي كانت مؤسسة على التشيع والاعتقاد بالمهدية فرقه الحشاشين، ويسمون أحيانا بالإسماعيلية، وأحيانا بالديلمية وزعيمهم الحسن بن الصباح المشهور، وسموا بالحشاشين؛ لأنهم كانوا يتعاطون الحشيش، وقد شاع استعمال المكيفات لديهم ولدى الصوفية، كما استعملوا القهوة للتنبه للعبادة كما يقولون وكان الحشيش يخدم أغراض هؤلاء الإسماعيلية؛ لأنه يخدر أعصابهم ويزيد أحلامهم اللذيذة فيكونون أطوع في تنفيذ الأوامر التي تصدر لهم، وقد حكى الرجالة ماركو بولو - الذى رحل إلى بلادهم بعد مائتي سنة تقريبا - أنهم كانوا يستعملون الحشيش في القلعة، فإذا خدروا خملوا إلى بقعة في فناء القلعة، وكانت مملوءة بالغانيات الحسان ليتمتعوا باللذائذ فيها حتى يتمثلوا في ذلك الجنة ونعيمها، فإذا أمروا أمرا نفذوه، فإن استطاعوا الهرب فيها، إلا الجنة مأواهم.
Unknown page