325

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم)

* آياته لعلكم تعقلون) (73)

( فقلنا اضربوه ) أي المقتول ( ببعضها ) أي البقرة. يعني فضربوه فحيي وأخبر بقاتله. كما دل عليه قوله ( كذلك ) أي مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة ( يحي الله الموتى ) يوم القيامة ( ويريكم آياته ) أي دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير. ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء. والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت. وإخباره بقاتله ، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة ( لعلكم تعقلون ) لتكونوا برؤية تلك الآيات على رجاء من أن يحصل لكم عقل ، فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره ، مما تخبر به الرسل عن الله تعالى.

قال الراغب : وقوله ( كذلك يحي الله الموتى ) قيل هو حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه ، وقيل بل هو خطاب من الله تعالى لهذه الأمة ، تنبيها على الاعتبار بإحيائه الموتى.

** تنبيهات :

(الأول) قال الزمخشري : (فإن قلت) فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها؟ فيقال : (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها)؟

(أجيب) بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل ، إنما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعا لهم عليها ، ولما جدد فيهم من الآيات العظام. وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين. فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك. والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة. وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل ، لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع. ولقد روعيت نكتة ، بعد ما استؤنفت الثانية ، استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله : اضربوه ببعضها ، حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ، وتثنيته

Page 328