158

ومثل هذا قوله تعالى : ( عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ... ) [النبأ : 1 5] ، زجرهم ب «كلا» الأولى عن التساؤل والاختلاف ، ثم أكد كلا الأولى بكلا الثانية وتهددهم فيما بينهما بقوله بعد : ( سيعلمون ) ثم أكد هذا التهديد بقوله بعد : (كلا) الثانية ( سيعلمون ).

وأما تكرير قوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) [المرسلات : 19 24 28] ، فيجوز أن يكون ما عدا الكلمة الأولى تأكيدا لها ، وأن تتكرر العدة بالويل على من كذب ، بقوله : ( إنما توعدون لواقع ). ويجوز أن يريد بكل عدة من عذاب الويل من كذب بما بين عدتي كل ويل.

وأما قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) [الرحمن : 13 16 18] فيجوز أن تكون مكررة على جميع أنعمه ، ويجوز أن يراد بكل واحدة منهن ما وقع بينها وبين التي قبلها من نعمة ، ويجوز أن يراد بالأولى ما تقدمها من النعم ، وبالثانية ما تقدمها ، وبالثالثة ما تقدم على الأولى والثانية ، وبالرابعة ما تقدم على الأولى والثانية والثالثة ... وهكذا إلى آخر السورة.

فإن قيل : كيف يكون قوله ( سنفرغ لكم أيه الثقلان ) [الرحمن : 31] نعمة ، وقوله : ( يعرف المجرمون بسيماهم ) [الرحمن : 41] نعمة؟ وكذلك قوله : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) [الرحمن : 43] ، وقوله : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ) [الرحمن : 35] ، وقوله ( يطوفون بينها وبين حميم آن )؟

قلنا : هذه كلها نعم جسام ، لأن الله هدد العباد بها استصلاحا لهم ليخرجوا من حيز الكفر والطغيان والفسوق والعصيان ، إلى حيز الطاعة والإيمان والانقياد والإذعان ، فإن من حذر من طرق الردى وبين ما فيها من الأذى ، وحث على طرق السلامة الموصلة إلى المثوبة والكرامة ، كان منعما غاية الإنعام ، ومحسنا غاية الإحسان.

ومثل ذلك قوله : ( هذا ما وعد الرحمن ) [يس : 52] ، وعلى هذا تصلح فيه مناسبة الربط بذكر صفة الرحمة في ذلك المقام.

وأما قوله : ( كل من عليها فان ) [الرحمن : 26] فإنه تذكير بالموت والفناء للترغيب في الإقبال على العمل لدار البقاء ، وفي الإعراض عن دار الفناء.

وأما قوله : ( وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين )

Page 161