154

الأرض ، قال تعالى : ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ) [الأنعام : 35] فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطنا بعد دخوله فيه ظاهرا. وقيد النفاق بأنه نفاق من الإيمان. ومن الناس من يسمي من خرج عن طاعة الملك منافقا عليه. لكن المنافق الذي في القرآن هو النفاق على الرسول ، فخطاب الله ورسوله الناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها ، وهو خطاب مقيد خاص ، لا مطلق يحتمل أنواعا :

وقد بين الرسول تلك الخصائص. والاسم دل عليها ، فلا يقال : إنها منقولة ، ولا أنه زيد في الحكم دون الاسم ، بل الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع ، لم يستعمل مطلقا. وهو إنما قال : ( أقيموا الصلاة ) [البقرة : 43] ، بعد أن عرفهم الصلاة المأمور بها ، فكان التعريف منصرفا إلى الصلاة التي يعرفونها. لم ينزل لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه. ولهذا قال من قال في لفظ الصلاة : إنه عام للمعنى اللغوي ، وأنه مجمل لتردده بين المعنى اللغوي والشرعي ، ونحو ذلك ، فأقوالهم ضعيفة. فإن هذا اللفظ إنما ورد خبرا أو أمرا. فالخبر كقوله : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) [العلق : 9 10] ، وسورة (اقرأ) من أول ما نزل من القرآن ، وكان بعض الكفار إما أبو جهل أو غيره قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، وقال (1): لئن رأيته يصلي لأطأن عنقه ، فلما رآه ساجدا رأى من الهول ما أوجب نكوصه على عقبيه. فإذا قيل : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) فقد علمت تلك الصلاة الواقعة بلا إجمال في اللفظ ولا عموم. ثم إنه لما فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج ، أقام النبي صلى الله عليه وسلم لهم الصلوات بمواقيتها صبيحة ذلك اليوم ، وكان جبريل يؤم النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإذا قيل لهم : ( أقيموا الصلاة ) عرفوا أنها تلك الصلاة. وقيل : إنه قبل ذلك كانت له صلاتان في طرفي النهار ، فكانت أيضا.

فلم يخاطبوا باسم من هذه الأسماء إلا ومسماه معلوم عندهم ، فلا إجمال في ذلك ولا يتناول كل ما يسمى : حجا ، ودعاء ، وصوما ، فإن هذا إنما يكون إذا كان اللفظ مطلقا ، وذلك لم يرد. وكذلك الإيمان والإسلام ، وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور. وإنما سأل جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهم يسمعون ، وقال (2):

Page 157