رحم الله الشيخ الإمام؛ فما يرجف الناس ولا يحوكون الأساطير إلا حول شخوص النوابغ.
شاعر العقل الفاطمي
طلق أبو العلاء الدنيا الثلاث فكان عمله بدعة في الإسلام، مسح يده من جميع ملذاتها فعاش عيشة الحبساء المنفردين في الصوامع، معديا عما استثناه منها حين أطراها بقوله:
ويعجبني عيش الذين ترهبوا
سوى أكلهم كد النفوس الشحائح
وعلى هذا نساك الفاطميين اليوم؛ فمال الوقف لا يأكله فاطمي زميت؛ فهو في نظرهم مثل مال الحكام، وعندهم: حلالك تعبك، بعرق جبينك تأكل خبزك. هم يحصرون الحلال في ثلاثة: أجر الفاعل والزارع والفلاح؛ فأحد مشايخهم الأتقياء - الشيخ محمد صالح، من جرمانا، غوطة الشام - كان يوزع غلة أراضيه على فقراء الملة، ويعيش من ثمن السلال والخوص التي كان يصنعها هو ويبيعها في دمشق، فلم يمد يده إلى حاصلاته لأنه لم يتعب في استثمارها.
وقد رأيت في الفصل المعقود تحت عنوان: «مذهب أبي العلاء»، أن الشيخ ينصح «الأخ» أن يتقيأ ما أكل إذا عرف أنه مال ظالم. وهذا ما يفعلونه اليوم، فيتجنبون الحكام ويبتعدون عنهم، ويرفضون عطاياهم - كما فعل أبو العلاء قبلهم. إن «الأجاويد» منهم يستنكرون استئجار أوقاف الحكومات، ولا يأكلون عند حاكم، أو من اعتقدوا أنه مغتصب مال الآخرين، وامتناعهم عن أكل حاصلات الأراضي المغتصبة يعرفه أقل الناس اختبارا لهم؛ فهم لا يأكلون من غلة تلك الأراضي ولو بالثمن.
وما لنا نبعد إلى الغوطة لنحدثك عن الشيخ محمد صالح، ولندع ذكر «المتنزهة» إخوان المعري في خلوات البياضة، فضالتنا التي ننشدها قريبة من عاليه في ضيعة «معصريته» رجال يلقبونهم في الشوف بالجويدين الزرق؛ فهؤلاء الرجال لا يأخذون إعاشة من الحكومة في وقتنا الحاضر
1
ولا يشربون ماء من إحدى القرى المجاورة لهم لأن أهلها لا جويدين منهم.
Unknown page