وفي عاصمة الشوف - بعقلين - سيدة فاضلة لم تكن تستحل الأكل من مال ولدها لأنه موظف؛ فكانت تستبدل المال بمال آخر من عند رجل تثق بدينه لتستحل الأكل. ولم تأكل من ثمار أرض شراها ولدها، بل تختار ذلك من ثمار العقارات الموروثة لأنها حلال. وكانت تعيش مع بنيها وأحفادها وهي منقطعة عنهم فيما يمس المذهب.
وهذا أبو العلاء يقول لابن القارح في رسالة الغفران عن دنانيره التي سرقت: «وهذه، ولا ريب، من دنانير مصر، لم تجئ من عند السوقة، ولكن من عند الملوك.»
لسنا نقول هذا لنزعم لك أن أبا العلاء درزي، أو لنقول إنه كالطبقة السامية من عقلاء هذه الطائفة الذين بلغوا ما يسمونه ختام الدين؛ فمن قال إن أبا العلاء مثل هؤلاء هو كالقائل مثلا: نابليون بونابرت والبابا لاون الثالث كانا يستعطان مثل مارون عبود.
إن طلائع هذا الزهد العلائي قد بدت مع المعز جد الحاكم فتخلى عن الكرسي مدة سنة لابنه العزيز بالله، ثم نما هذا الزهد واستفحل أمره مع الحاكم قبل «الغيبة» بقليل. أما أبو العلاء فتنسك وسأل الإخوان أن يكونوا له شيعة في طريقة، فوضع لهم في اللزوميات الأصول والمبادئ الزهدية، ولما قربت ساعته خاطبهم بقوله:
أزول وليس في الخلاق شك
فلا تبكوا علي ولا تبكوا
خذوا سيري فهن لكم صلاح
وصلوا في حياتكم وزكوا
إذا قابلنا بين قول أبي العلاء هذا وبين ما يفعله أجاويد الدروز اليوم رأينا أنهم يجملون جزعا ولا ينتحبون على فقيد مهما عز وغلا، كما فعل الأمير السيد حين فقد ابنه، وسيأتيك خبر هذا.
ومن كلام الدروز في هذا الصدد «إذا أصبتم بعزيز فعليكم أن تصبروا لئلا تفقدوا الأجر؛ فمن جزع من قضاء الله عبر به القضاء ولزم الإثم. ومن صبر على القضاء فالأولى أن نصبر، ابتغاء للثواب وحذر غضب الله».
Unknown page