Mabahith Cilmiyya Wa Ijtimaciyya
مباحث علمية واجتماعية
Genres
تصالح السنور والفارة
رحماكن سيداتي، لو كان لي أن أصف المرأة كما أريد وأشتهي لوصفتها كما قال أحد شعراء الإنكليز: «إن الله خلق الرجل أولا على سبيل التجربة، ثم خلق المرأة أخيرا؛ لتكون من طينة أرقى.» ولكن من أين لي ذلك؟ وأنا لم أتجشم البحث في هذا الموضوع، وأجعل نفسي هدفا لسهام الأغراض، إلا منقادا للعلوم الطبيعية لا للتصورات المجونية، كمؤرخ يصف الوقائع ويشهد الأحوال ابتغاء رفع شأن المرأة في العمران بمعرفة مقامها الطبيعي فيه، ولا ذنب لي إلا ذنب الصادقين في الود المخلصين في القول، وإلا فما المانع من أن تساوي المرأة الرجل؟ ولماذا لم تتغلب عليه، بل تركته يسن الشرائع المجحفة بحقوقها، ويقوى عليها من أول الأمر ؟
وأنى يمكن أن تكون بينهما هذه المساواة وهما مختلفان بالطبع من أصل الفطرة في التركيب والقابليات والواجبات؟ فطلب المرأة مساواة الرجل كطلب الرجل مساواة المرأة أمر مستحيل. وإني لأعجب كيف يحاول بعض الناس إثبات هذه المساواة، وما مثله إلا كمثل من يحاول أن يساوي بين أعضاء الجسد المختلفة. ألعله يجهل أن اختلاف التركيب يوجب اختلاف القوى والأفعال؟
فبقي علينا إذن وقد تقرر هذا الاختلاف كما تقرر بين أعضاء الجسد، أن نعرف نسبته فيهما. ولا نبحث في ذلك من حيث أهميتهما في الجسم الاجتماعي؛ فإنه لا خلاف في أن كلا منهما عضو مهم شديد اللزوم لكمال الهيئة الاجتماعية، كما أن كل عضو من أعضاء الجسد شديد اللزوم لكماله. وقد تداركت ذلك في مقالتي السابقة حيث قلت: «بل نضعها (المرأة) في مقامها الحقيقي الذي يليق بها تابعة الرجل في ارتقائه، مساعدة له متممة ما نقص من كماله، مخففة عنه مشاق الحياة الداخلية كما هو يذلل لها مصاعب الحياة الخارجية، حاضنة أولادها تحت جناحي حنوها وتدبيرها عن طبع وتهذيب كما هو يسهر على راحتهم بعيني سعيه وإقدامه عن سليقة ومعرفة.» بل نبحث في نسبة هذا الاختلاف من حيث تفاوتهما في القوى جسديا وعقليا. •••
يعلم قراء المقتطف الأغر أني نشرت في عدديه السادس والسابع بتاريخ هذا العام مقالة تحت عنوان: «المرأة والرجل وهل يتساويان؟» ضمنتها خلاصة مباحث الطبيعيين وعلماء الأخلاق المتأخرين، وصرفت فيها النظر عن أقوال المتقدمين، ولم أورد من أقوالهم إلا شيئا يسيرا على سبيل الاستطراد لا الاستشهاد، وقيدت نفسي كل التقييد بعلوم الاختبار، واقتصرت على ذكر الوقائع المقررة، واجتنبت على قدر الطاقة التعرض للأسباب إلا فيما ندر، كل ذلك لكي أحصر الموضوع في دائرة لا يجد فيها المتقولون محلا لكثرة الظنون؛ حسما للنزاع، وحرصا على الحقيقة أن تحجبها غياهب الأوهام، وتخدشها عواصف الأغراض؛ إذ هي كما قيل:
خطرات النسيم تجرح خدي
ه ولمس الحرير يدمي بنانه
وقد رأينا مما قرره علماء طبائع الحيوان، كما قلنا فيما سلف، أن الأنثى أشد من الذكر في الحيوانات السافلة، وأضعف منه في الحيوانات العالية، ومساوية له فيما كان بينهما، واستنتجنا من ذلك في امتياز الأنثى على الذكر من صفات الحيوان السافل، وأن امتياز الذكر عليها من صفات الحيوان العالي، وأبنا ذلك هناك مفصلا بآيات بينات طبيعية وأدبية وعقلية، وظننت أن هذا البيان كاف لأن يكون القول الفصل؛ لما فيه من الصراحة والوضوح، والاستناد إلى الأدلة التشريحية والفزيولوجية والبسيكولوجية التي يقال عندها: «قطعت جهينة قول كل خطيب.» وما قصدت إلا أن أجعله قاعدة يختلف إليها عند البحث في هذا الموضوع، وما أتيت فيه بحرف يشير إلى وجوب تحقير المرأة وإهمال تعليمها، بل بالضد من ذلك قصدت أن أبين مقامها الحقيقي في الهيئة الاجتماعية، وأن أنبه إلى أهمية هذا المقام؛ لئلا يشغلها عنه شاغل يشمخ بها إلى ما سواه، فتقصر فيه ويصيبها، كما في قوله:
حسد القطا فأراد يمشي مشيها
فأصابه ضرب من العقال
Unknown page