وَقَوله ﴿ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش﴾ مَعْنَاهُ أَنه اسْتَوَى عَلَيْهِ اسْتِوَاء يَلِيق بِذَاتِهِ لَا أَن المُرَاد بِهِ استولى كَمَا ذهب إِلَيْهِ المعاندون واعتقدوا أَن لَيْسَ فَوق الْعَرْش إِلَه يعبد مَعَ أَن نُصُوص الْكتاب وَالسّنة ترغم أنوفهم وَكَلَام السّلف فِي هَذَا الْبَاب مَشْهُور
و﴿الْعَرْش﴾ فِي الْمَشْهُور الْجِسْم الْمُحِيط بِسَائِر الْأَجْسَام سمي بِهِ إِمَّا لارتفاعه وَإِمَّا للتشبيه بسرير الْملك فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ عرش وَمِنْه قَوْله ﴿وَلها عرش عَظِيم﴾ فِي عرش بلقيس لِأَن الْأُمُور والتدبيرات تنزل مِنْهُ.
وَمعنى قَوْله تَعَالَى ﴿يغشي اللَّيْل النَّهَار﴾ أَي يُغطي سُبْحَانَهُ النَّهَار بِاللَّيْلِ
وَلما كَانَ المغطى يجْتَمع مَعَ المغطي وجودا وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر هُنَا قَالُوا الْمَعْنى يلْبسهُ مَكَانَهُ فَيصير الجو مظلما بعد مَا كَانَ مضيئا.
وَمعنى قَوْله ﴿يَطْلُبهُ حثيثا﴾ أَي سَرِيعا.
وَقَوله ﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره﴾ أَي خَلقهنَّ حَال كونهن مذللات تابعات لتصرفه سُبْحَانَهُ فِيهِنَّ بِمَا شَاءَ غير ممتنعات عَلَيْهِ جلّ شَأْنه كأنهن مميزات أمرن فانقدن وإفراد الشَّمْس وَالْقَمَر بِالذكر مَعَ دخولهما فِي النُّجُوم، لإِظْهَار شرفهما عَلَيْهَا لما فيهمَا من مزِيد الْإِشْرَاق والنور وبسيرهما فِي الْمنَازل تعرف الْأَوْقَات وَقدم الشَّمْس على الْقَمَر لِأَنَّهَا أَسْنَى من الْقَمَر وأسمى مكانة ومكانا بِنَاء على مَا قَالَ الفلكيون وبرهنوا عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَأَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا غير أَن ذَلِك لَيْسَ بِمُسلم عِنْد الْمُحدثين كالقول بِأَن نوره مُسْتَفَاد من
1 / 47