قلت له : مر بأمرك ياأمير المؤمنين . قال : تمضى حتى تصير إلى زياد بالبصرة فتشاهده وتنفث في عقله(1) ، وتنظر من أين غرته(2) ، وتغمزه من حيث يلين عليك وتأتيه من جهته ، وتتأمل كيف تؤمل صرعته (3) ، فإن لكل امرىء وإن كمل عقله واشتدت فطنته ، عيبا منه يتسلق على غلبته ، وبه يطمع فى خديعته ، وتجتهد فى أن تخرجه من البصرة . وقل عنى ماشئت وعحل على خبرك وخبره يوما فيوما لأ كون منه على علم .
قال المغيرة : فمضيت حتى دخلت البصرة فى الليل . فأتيت المسجد في السحر، فلم أعلم حتى أصابت المقصورة وجهى ولم أعرفها قبل ذلك ، فقلت : هذه حدى سياسات زياد وحزمه . لمجلست حتى خرج فصلى الغداة ، ثم سلمت عليه فأكرم ويحفي(4)، ثم دخل منزله ودخلت معه ، فقال : ماأقدمك يامغيرة؟ فلت : إن أمير المؤمنين وجهنى إليك مطالعا (لك) ومتعرفا خبرك فى نفسك وعملك(5). قال : كأنى وقد شاور الناس فأشاروا عليه بعزلى ، ثم شاورك فأشرت عليه بغير ذلك ، فقال : قاتلت علييا رضى الله عنه مع فضله وسابقته فغلبته ، فقلت له : أفيأمن معاوية أن يغلبه من هودونه كما غلب هو من فوقه ، فرأيت رجلا لا مطمع فيه ولا في خديعته إلا من جهة ماقد دخله من الكثبر وما تحب من بعد الذكر . فقلت له : ذهبت في غير مذهب ، (إن) أمير المؤمنين ليس لك على ماظننت ، ولا لهذا أو غيره مما تكره وجهنى ، ولكنه أرسلنى
Page 70