٤ -) ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾، أغضض من صَوْتك أَي أنقص مِنْهُ، أَي لَا تتكلف رفع صَوْتك وَخذ مِنْهُ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِن الْجَهْر بِأَكْثَرَ من الْحَاجة تكلّف يُؤْذِي، وَالْمرَاد بذلك التَّوَاضُع١.
وغض الصَّوْت فِيهِ أدب وثقة بِالنَّفسِ واطمئنان إِلَى صدق الحَدِيث وقوته، وَمَا يزعق أَو يغلظ فِي الْخطاب إِلَّا سيئ الْأَدَب أَو شَاك فِي قيمَة قَوْله، أَو قيمَة شخصه، يحاول إخفاء هَذَا الشَّك بالحدة والغلظة والزعاق٢.
والأسلوب القرآني يرذل هَذَا الْفِعْل ويقبحه فِي صُورَة منفرة محتقرة بشعة حِين يعقب عَلَيْهِ بقوله: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ .
فيرتسم مشْهد مضحك يَدْعُو إِلَى الهزء والسخرية، مَعَ النفور والبشاعة وَلَا يكَاد ذُو حس يتَصَوَّر هَذَا المشهد المضحك من وَرَاء التَّعْبِير الْمُبْدع، ثمَّ يحاول شَيْئا من صَوت هَذَا الْحمير٣.
يَقُول الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَعْرِيف قبح ردع الصَّوْت فِي المخاطبة، والملاحاة٤ بقبح أصوات الْحمير لِأَنَّهَا عالية، وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: "وَإِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمير فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانا" ٥.