أما في القرن السادس الهجري، فنلتقي بالزمخشري والوطواط وبأسامة بن منقذ.
فقد أكمل الزمخشري، في تفسيره "الكشاف" ما بدأه الجرجاني، بإضافات جديدة بثها في ثنايا كتابه.
أما الوطواط فقد حاول تطبيق قواعد البلاغة العربية على الأدب الفارسي، في حين ألف ابن منقذ كتاب "البديع في نقد الشعر".
ويحمل الراية، بعد هؤلاء، نفر من علماء القرن السابع الهجري الأفذاذ، منهم: الرازي والسكاكي وضياء الدين ابن الأثير والتيفاشي المغربي وزكي الدين بن أبي الأصبع المصري وعلي بن عثمان الأربلي وبدر الدين بن مالك.
وقد أولى هؤلاء علم البديع عناية خاصة، في ما ألَّفوه من كتب وتصانيف.
وإذا ما انتقلنا إلى القرنين الثامن والتاسع الهجريين، نجد أنهما قد امتازا بإيلاء العلماء والشعراء والأدباء علم البديع عناية ما بعدها عناية، إن لم نقل إنهم تفرغوا له، وجفت قرائحهم إلا منه.
وتميز بعض الشعراء والأدباء، في هذين القرنين، بنظم "البديعيات" التي تعتبر، بحق، دراسات في هذا المجال تكاد لا تعدوه. ومن هؤلاء: يحيى بن حمزة العلوي، صاحب كتاب "الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز والتنوخي"، محمد بن عمرو، صاحب كتاب "الأقصى القريب في علم البيان"، وابن قيم الجوزية صاحب كتاب "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن وعلوم البيان"، وصفي الدين الحلي الشاعر المشهور، صاحب البديعية الشهيرة التي تبلغ ماية وخمسة وأربعين بيتًا من الشعر، قالها الحلي في مدح النبي محمد ﷺ ومطلعها:
إن جئت سُلعًا فسل عن جيرة العلم ... وأقر السلام على عُرب بذي سلم
ثم ابن جابر الأندلسي الضرير، صاحب البديعية المسماة "الحلة السيرا في محد خير الورى"، وهي في ماية وسبعة وعشرين بيتًا بدأها بقوله:
بطيبة أنزل ويمم سيد الأمم ... وانثر له المدح وانثر طيب الكلم
وقد سرد فيها ابن جابر المحسنات البديعية حسب ما أورده الخطيب القزويني.
ونلتقي قبل أن نصل إلى القرن التاسع الهجري، بعز الدين، علي بن الحسين الموصلي، صاحب البديعية التي عارضها فيها بديعية الصفي الحلي، وزاد عليه فيها، بأن ذكر في كل بيت منها لفظة تدل على اسم النوع البديعي الذي استخدمه فيه.
1 / 8