2
ولا أدري وايم الحق ما الفائدة من التكلم بدون سابق استعداد في حين أن الخطيب قادر أن يأخذ للأمر أهبته، وأن يفرغ الطوق في إلباس موضوعه حلة أنيقة، فإن كانت غايته المباهاة فقد أخطأ المرمى؛ لأن ما يعرفه من الموضوع هو - كما بينا - ضرب من الاستعداد فضلا عن ذلك فإنه من المستحيل أن تأتي عباراته برشاقة وانسجام وتنساق إليه بمثل النظام الذي يكون من وراء الاستعداد.
ثم إن ظهور الخطيب بمظهر المرتجل الذي لم يستعد فيه ازدراء الحاضرين، واعتداد بالنفس يقرب من الدعوى الفارغة المذمومة، فإن هذا الجمع الذي أزعج نفسه وجاء لسماعه، وربما كان فيه من أقبل من مكان سحيق غير مبال بالمشقة، وبعد الشقة يستحق شيئا من العناية والإكرام فلا يليق بالخطيب أن يقدم له إلا أحسن ما عنده.
وهناك فئة تدعي الخطابة وقد يكون بينها من يحسنها، ولكن عيبها التبجح أبدا بعدم الاستعداد كأنه مزية كبرى تشهد لهم بسرعة الخاطر وذلاقة اللسان، ولا يفهمون ما في هذه الدعوى الباطلة من جلب الملام أحيانا والهزء دائما.
وقد ذكرنا رأي الدكتور تولوز في أن الارتجال آفة الخطابة لاستحالة التدقيق والتنميق، ونضيف إليه أن فيه مجازفة كبيرة لأن الدخول في الموضوع قد يكون يسيرا، ولكن الخروج منه عسير والمتكل على قدرته ليفرع المنبر مرتجلا هو كالمحارب الذي ينزل إلى الميدان أعزل على أمل أن يستعمل سلاح عدوه، أو كالقائد يهاجم خصمه وهو لم يرسم من قبل خطة الهجوم، وكم من المرتجلين الذين يصدق فيهم قول الشاعر:
ويرتجل الكلام وليس فيه
سوى الهذيان من حشد
1
الخطيب
3
Unknown page