11 يونيو 1976
ظل كتاب الرواية والقصة القصيرة يكتبون القصة الرمزية فترة طويلة من الزمان، وكانت الحالة العامة تدعو إلى ذلك، أما اليوم فلم يعد للقصة الرمزية مكان، فإلى أي اتجاه يا ترى ستتجه أقلام الكتاب؟
كنا حين نكتب القصة الرمزية نخاف أن تأتي بعدنا أجيال وتقرأ هذا الذي كنا نكتبه، وتعجب لماذا كان يرمز هؤلاء القوم، ولماذا لم يصرحوا بما يريدون دون رمز أو تخف، فهذه الأجيال القادمة لن تتصور أن الحرية زالت في يوم من الأيام، وستظن هذه الأجيال أن الحرية التي تنعم بها أمر مقرر منذ أقدم العصور، لم تحتجب في يوم من الأيام.
وكنا نرد هذا الخوف عن أنفسنا، بأن على هذه الأجيال القادمة أن تعرف أيضا تاريخ بلادها مع معرفتها بتاريخ أدبها، وحتم على الأديب أن يكون ابن عصره معبرا عن الفترة التي يعيشها في آمالها وآلامها، ما حرمت منه وما تهفو إليه، وحين تعرف أجيال المستقبل حقيقة هذه الفترة التي عشناها ستجد أدبنا هو الصورة الوحيدة التي كان يمكن أن تظهر.
وكذلك كنا نخشى على كتبنا من الترجمة، فالعالم الأوروبي لا يتصور أن هناك مكانا في العالم فيه هذا الأدب وليس فيه حرية، ولكن ترجمت لنا بعض أعمال، ولم يقل الغرب ذلك، فإنه يبدو أن المثقفين في الغرب يعرفون الحقائق عن البلاد الأخرى.
وكنت دائما أتساءل: ترى ماذا بقي من أعمالنا بعد أن يسقط عنها الرمز ويصبح غير ذي موضوع، ولكن تبين لي أن القارئ يستطيع أن يجد في القصة التي يقرؤها متعة دون حاجة منه لأن يعرف ما ترمز إليه.
وعلى كل، تلك فترة ومضت.
وجاءت الآن الحياة التي لا نحتاج معها إلى الرمز ... ففيم نكتب؟
أتصور أنه يجب علينا أن نكتب فيما كنا سنكتب فيه لو لم يعترض طريقنا زوال الحرية.
وأتصور أننا نستطيع أن نكتب في المعاني الإنسانية العامة، تلك التي نظر إليها كبار الروائيين في العالم، وكتبوا فيها أعظم أعمالهم، مثل مورافيا وشتاينيك وهمنجواي، وغيرهم وغيرهم ممن اتخذوا الإنسان - كإنسان - موضوعا لهم، يتابعون نبضه، ويستقصون رغباته وآهاته، ومواطن ضعفه ولحظات قوته.
Unknown page