316

Khātam al-nabiyyīn ṣallā Allāh ʿalayhi wa-ālih wa-sallam

خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم

Publisher

دار الفكر العربي

Publisher Location

القاهرة

Genres

وفى الحق أننا لا نرى فارقا زمنيا، بل نجد أن دعوة التوحيد وتحريم عبادة الأوثان، والإشراك بالله ابتدأت منذ جاء ﵊، ومنذ أعلن عشيرته باستنكار عبادة الأصنام، فقال عقب الإنذار بالبراءة منهم إن عصوا، فقال الله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ «١» .
وجاء مثل ذلك عند الأمر بالجهر بالدعوة، وإعلان قريش خاصة والعرب عامة، إذ قال الله تعالى:
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ «٢» .
وإذا كنا لا نجد فارقا زمنيا يحد ما بين الدعوتين، وإذا كانت الايات التى نزلت فى أول الدعوة بمكة المكرمة تتشابه فى معانيها من ناحية الأوثان مع الايات التى نزلت فى اخر مقامه ﵊ بمكة المكرمة. فإن من الحق علينا أن نقول إننا لا نجد تفريقا بين حال لم تذكر فيها أوثانهم بسوء وحال قد ذكرت فيها بسوء.
وإن الذى نجده أو نظنه ظنا أن مقاومتهم ابتدأت بحال دهشة مما فوجئوا به، وتساؤل فيما بينهم، ما شأن هذا الذى جاء به محمد ﵊ وهم بين من علم أن محمدا ﵊ دعا إلى هذه الدعوة، وبين متشكك فى نسبة القول إليه، وبينما هم يتسائلون كانت الدعوة تسرى فى الأوساط، وتجد لها من بينهم مصادقين ما بين سادة وعبيد، وأشراف وضعاف، فتنبهوا حينئذ للمقاومة، لأمر وجدوه جدا لا هزل فيه، وقويا لا ضعف يعتريه، وإذا كان الذين يتبعونه قليلا، فهم يزيدون وسيكونون كثيرا ولابد أن يأخذوا الأهبة لمدافعة هذا الواقع، وهو لا يزال نبتا، قبل أن يستغلظ سوقه.
٢٣١- وعلى ذلك نقرر أن المقاومة كانت تتزايد فى الشدة كلما تزايدت الدعوة عموما، وتكاثر المستجيبون لها، فهم كلما رأوها تنمو ولو قليلا يحسون بالخطر شديدا، وكلما أحسوا بالخطر ازدادوا لجاجة وعنفا، لأنهم يرون الخطر على سيادتهم، ونظمهم الاجتماعية، والأرض تنهار من تحتهم شيئا فشيئا، فتزداد المقاومة بصورها المختلفة، وكل يعمل على شاكلته، وعلى الطريقة التى يرضاها خلقه، ففريق بالايذاء، وفريق بالاستهزاء، وفريق بالشكوى لأبى طالب حاميه، ويتلاقى الجميع على أمر يكون متلاقيا مع كل طبائعهم ... هكذا.

(١) سورة الشعراء: ٢١٤- ٢١٧.
(٢) سورة الحجر: ٩٤.

1 / 324