ابن حارث أول دم هدر، لأنهما القدوة في النفس والمال، ولهذا قال علي (عليه السلام) على منبر الجماعة: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد، وصدق صلوات الله عليه، كيف يقاس بقوم منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأطيبان: علي وفاطمة، والسبطان: الحسن والحسين، والشهيدان: أسد الله حمزة وذو الجناحين جعفر، وسيد الوادي: عبد المطلب، وساقي الحجيج: العباس، وحليم البطحاء والنجدة والخير فيهم، والأنصار أنصارهم، والمهاجر من هاجر إليهم ومعهم، والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم، وذو الشهادتين لأنه شهد لهم، ولا خير إلا فيهم ولهم ومنهم ومعهم.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أبان به أهل بيته: إني تارك فيكم الخليفتين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ولو كانوا كغير هم لما
قال عمر حين طلب مصاهرة علي: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.
واعلم أن الرجل قد ينازع في تفضيل ماء دجلة على ماء الفرات، فإن لم يتحفظ وجد في قلبه على شارب ماء دجلة رقة لم يكن يجدها، ووجد في قلبه غلظة على شارب ماء الفرات لم يكن يجدها، فالحمد لله الذي جعلنا لا نفرق بين أبناء نبينا ورسلنا، لنحكم لجميع المرسلين بالتصديق ولجميع السلف بالولاية، ونخص بني هاشم بالمحبة ونعطي كل امرئ قسطه من المنزلة.
فأما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلو أفردنا لأيامه الشريفة ومقاماته الكريمة ومناقبه السنية كلاما لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال، العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعمل جسيم، والعلم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب، فأخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه، وليس التدبير في وصف مثله إلا ذكر جمل قدره، واستقصاء جميع حقه، فإذا كان كتابنا لا يحتمل تفسير جميع أمره ففي هذه الجملة بلاغ لمن أراد معرفة فضله.
وأما الحسن والحسين (عليهما السلام) فمثلهما مثل الشمس والقمر، فمن أعطى ما في الشمس والقمر من المنافع العامة والنعم الشاملة التامة ولو لم يكونا ابني علي من فاطمة (عليها السلام)، ورفعت من وهمك كل رواية، وكل سبب توجبه القرابة لكنت لا تقرن
Page 53