176

وأخذ أموالنا، ولو لا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإن عزلته عنا شكرناك وإلا كفرناك، فقال معاوية: إياي تهددين بقومك يا سودة، لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس [1] فأردك إليه فينفذ فيك حكمه، فأطرقت سودة ساعة ثم قالت:

صلى الإله على روح تضمنها

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغى به بدلا

فصار بالحق والإيمان مقرونا

فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: والله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته [2] ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف وقال:

ألك حاجة؟ قلت: نعم. فأخبرته الخبر فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين [3] فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام. ثم دفع الرقعة إلي، فو الله ما ختمها بطين ولا خذمها [4]، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا. فقال معاوية: اكتبوا لها كما تريد واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.

وكم له (عليه السلام) من الآثار والأخبار والمناقب التي لا تستر أو يستر وجه النهار والسيرة التي هي عنوان السير والمفاخر التي يتعلم منها من فخر، والمآثر التي تعجز من بقي كما أعجزت من غبر [5].

وخرج (عليه السلام) يوما وعليه إزار مرقوع فعوتب عليه فقال: يخشع القلب بلبسه ويقتدي بي المؤمن إذا رآه علي.

واشترى (عليه السلام) يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما، فأخذ واحدا فلبس هو

Page 181