238

اغيب عنك ويريد اي لا اجهل ما تعمله ولا يخفي علي شئ منه ويقال ان الرجل في صلاته وفي بناء داره وليس المراد انه متمكن أو حال فيها وإنما يريدون انه يفعلها ويدبرها فإن قيل وليس في القرآن ان له عرشا وكرسيا قلنا هو كذلك والعرش المذكور في القرآن على وجهين احدهما تفسير قوله سبحانه * (الرحمن على العرش استوى) * وقد قال أهل العلم في ذلك ان العرش هنا هو الملك واستواؤه عليه هو استيلاؤه عليه بالقدرة والسلطان واستشهدوا في ذلك بشواهد منها قول الشاعر في ذكر العرش * وانه الملك إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم * واودوا كما اودت اياد وحمير * ومنها قول الاخر في ذكر الاستواء وانه الاستيلا * إذا ما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر * يريد بذلك الاستيلاء والقدرة عليهم والتمكن لهم بالقهر لهم والاخر تفسير قوله سبحانه * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * الحاقة فقد قال العلماء في ذلك ان هذا العرش بنية خلقها الله تعالى في سمائه وأمر الملائكة بحملها لا ليكون عليها تعالى الله عزوجل عن ذلك ولكن لما رآه من الصلاح في تعبدهم بحملها وتعظيمها كما انه سبحانه تعبد بني آدم بتعظيم الكعبة في الطواف حولها وقال انها بيته لا ليسكنها تعالى الله عن ذلك فاما الكرسي فالذي نذهب إليه فيه انه العلم روى ذلك عن العالم الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال وسع كرسيه السموات والأرض يعنى علمه وقد روى ايضا في التفسير من طريق العامة عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم ومعنى الكلام دال عليه واول الاية تقتضيه لأن الله تعالى اخبر عن علم فقال * (يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض) * البقرة فوصل ذكر الكرسي بذكر العلم على طريق الوصف له والابانة عنه فكان كقوله في موضع آخر * (ربنا وسعت شئ علما ورحمة) * فإن قيل فما معنى رفعكم ايديكم نحو السماء في الدعاء وما معنى قوله سبحانه * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * فاطر قلنا الجواب عن ذلك انا إنما رفعنا ايدينا نسترزق من السماء لقوله الله تعالى * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات وإنما جاز ان يقال ان الاعمال تصعد الى الله تعالى لأن الملائكة الكرام حفظة الاعمال مسكنهم السماء وايضا لأن السماء اشرف في الخلقة من الأرض

--- [ 239 ]

Page 238