وبينا القوم لاهون بهذه الترهات والسفاسف، بلغ البطريرك اقتراب العرب من المدينة، فقدس مستعجلا ليعود إلى أورشليم قبل أن يدهمها العرب.
وبينما كان البطريرك وحاشيته مشغولين بالعرب، كان كيريه إيليا يزحف على الدير متسلقا جبل الزيتون ليرى ما حل بإستير.
أما سبب حب إيليا الفجائي لإستير فهو أنه رأى منذ سنوات واحدة مثلها مع أبيها في يافا فأحبها، ولكن حبه مات جنينا فبعث اليوم حيا، وهناك سبب آخر قوي وهو تأثير التوراة وتاريخ يوسيفوس، فقد أرت قراءتهما إيليا أن اليهود معاصريه بقايا أمة عظيمة، حلت قوة نفوس نسائها وجمالهن مشاكل كثيرة في التاريخ.
وفي جبل الزيتون اجتمع إيليا بالملقب بالنبي أرميا في كوخه قرب أرزة صهيون، فشكر له صنيعه؛ إذ أنقذه من الغوغاء، وكان أرميا حانقا في تلك الساعة على الإمبراطور لتركه المدينة المقدسة بلا حامية، وسماه المسيح الدجال، فكاشف إيليا بفكرته العظيمة وهي تحرير السوريين من نير اليونان الذين يحكمونهم دينيا، فهو يرى أن يقف السوريون من العرب ويقيموا بطريركا سوريا، فيخطئه إيليا ويحدثه عن إستير، فيظهر له أنه عارف بدخولها الدير، فيحتال إيليا ليوجه أرميا في سبيل مآربه ثم يتركه قاصدا دير الراهبات، فلا يرى إستير بل السيدة تيوفانا، فتخبره أن إستير فتاة عنيدة بكت وأغمي عليها حين رأت صليبا في غرفتها، فسألها أن تسهل له مقابلتها ليقنعها فرفضت، وهل يخفى أمر بسيط كهذا على عانس كتيوفانا؟
وفيما هما مشغولان بالحديث إذ بأرميا يهرول ويصيح: وصل العرب.
هذا ما كان يجري حول الدير، أما في أورشليم فالبطريرك والوالي في خلوة يتشاوران، فدخل عليهما بدوي غساني يحمل أنباء العرب، وفي تلك الساعة المشئومة جاءت أم تيوفانا وأبو إستير خائفين على ولديهما، فتأفف البطريرك وقال: العذراء تحمي ديرها.
وعاد أرميا إلى كوخه وذهب إيليا إلى المزرعة (مزرعة الشيخ سليمان)، وهنا يقص فرح سيرة بطله إيليا، فأمه نذرته لله وأخذت تخبز له كل يوم أرغفا يوزعها على الفقراء، فيدعو له أولئك أن يصير بطركا، ثم جاء أحد علماء القسطنطينية ورآه يفعل ذلك فقال له: ستكون بطريرك أورشليم الجديدة، ودخل إيليا الدير حين شب، ورأى يوما أسقفا يلطم راهبا في القداس فاستعظم فعله، واجتمع بالراهب ميخائيل على الجبل حيث واعده، فأفرغ هذا الراهب الآبق جعبة آرائه الدينية والاجتماعية في نفس إيليا فنفره، والحديث طويل سماه فرح «الخطبة على الجبل»، أول الخطبة مبهم ككلام الأنبياء («يا بني ... إلخ.» ص41)، وموضوعها البحث عن أعمال رجال الدين ومخالفتها للإنجيل؛ إذ عاد رجال الدين إلى الحالة التي حاربها المسيح، ولو ظهر اليوم لاضطر أن يصلب ثانية.
وأطرى الراهب ميخائيل النسطوري النبي والعرب، ثم رأى أن يصيب الإسلام ما أصاب المسيحية بسبب المئولين والمجتهدين، وأن إصلاح الهيئة الاجتماعية بواسطة الدين لا يمكن أن يتم إلا إذا عادت الإنسانية إلى طفولتها، وعندئذ يلزم نبي جديد للإنسانية الجديدة (ص45).
أما ميخائيل هذا فراهب كان يجمع الصدقات للفقراء، فأشاع الناس أنه يخبئ المال في الغابات، فعاف عن هذا العمل وانصرف إلى الحقول يشتغل مع البائسين، فخطط قرى عديدة فاتهم بأنه يسعى لرفع نير الكنيسة، فحبس في الدير للوعظ فقط، ووعظ يوما فكفر وطرد، وأخذه قائد في جيشه، وبعد الحرب والظفر أسس مزرعة - كما في «الدين والعلم والمال» - وأخيرا يبشر ميخائيل تلميذه الجديد بديانة «الرفق والمحبة والصفح»، وتطلع الشمس فيذهل ميخائيل ويتعجب ويخر ساجدا لها - مشهد فولتيري - وتنتهي الخطبة فيتمشى ميخائيل وإيليا، حتى إذا بلغا المزرعة رحب الشيخ سليمان بإيليا بعد ما عرفه، وبشره أنه سيرث ميخائيل في أورشليم الجديدة أي المزرعة.
وبعد حين مات ميخائيل فعزم الشيخ سليمان ألا يكون إكليريكي في مزرعته، وقال للشعب: اقرءوا التوراة والإنجيل ونظفوا قلوبكم وهذا يكفيكم، فقالوا: ومن يعمد ويكلل ويجنز؟ فأراد سيامة إيليا كاهنا فأبى ا .ه.
Unknown page